الحسين والبدوى والسيدة والعدرا.. موالد المصريين بعيدا عن «المتطرف والقرداتى»

أكرم القصاص
أكرم القصاص
بقلم : أكرم القصاص

فجأة بعد مئات السنين قرر عدد من عقماء الإعلام وقرادتية الفضائيات، أن يناقشوا ما سبقت مناقشته عشرات ومئات المرات، موضوع الموالد، والتى هى احتفالات مصرية يحتفى بها المصريون بآل البيت، وبمن يرون أنهم أولياء الله الصالحون، وهذا بمناسبة مولد السيد البدوى فى طنطا، والذى يحضره 2 مليون زائر، مثلما يحدث فى مولدىّ «الحسين، والسيدة زينب»، ومولد «العذراء» فى أسيوط، ودميانة وغيرها من موالد، وهى احتفالات تعقد من مئات السنين، ويؤمها مواطنون من كل العقائد والمذاهب، وليسوا جميعا مشركين، هناك من يؤمن بالكرامات والأولياء، وهناك من يذهب ليحتقل مع الآخرين، حيث تسعى الطرق المختلفة لاتخاذ أماكن لها تقدم فيها النذور والطعام، بينما تقام حلقات الذكر، ويغنى الصيِّيت أو المبتهل فى سرادق أو فى الهواء أمام مئات الآلاف.

الموالد هى احتفالات لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، ويمكن الرجوع إلى عالم نجيب محفوظ، أو روايات عبدالحكيم قاسم، لنعرف أبعاد هذا العالم، وأيضا كتابات لعلامة الدكتور سيد عويس الذى رصد كيف أن بسطاء الناس يرسلون رسائل للسماء فى أضرحة الإمام الشافعى والسيدة، وهم أناس بسطاء، لا يمكن التشكيك فى إيمانهم، بل هم على الفطرة مثل بعض من نراهم ونجاورهم فى الحج والعمرة وليس لديهم ما يقولونه سوى الدعاء والنظر للسماء، بل إن الأمر أحيانا قد يبدو ساذجا لمن لا يعرف، بينما هو إيمان عميق وتسليم ويقين، أمام مدعى التدين الشكلى، والذين هم من طلاب الدنيا وضيقى الأفق ممن عاشوا سنين يفرزون الكراهية والتعصب والإرهاب والقتل، وأغلب تفكيرهم حول الأعضاء والنساء وليس عن الإيمان والمعاملة.

وعلى مدى عقود، عندما تصاعدت أنواع وأشكال من السلفيين التابعين للوهابية أو المستوردين من آسيا وأفريقيا، ذوى البنطلونات القصيرة والعقول الصغيرة، سعوا إلى تحريم الأضرحة، بل وهاجموها، وحاول بعضهم هدمها، بزعم أنها شرك، لكن بقيت الموالد تتصاعد وتنعقد بكل صورها كنوع من التحدى، وقد عشنا عقودا كانت الوهابية الصحراوية تحاول تلوين إيمان المصريين بنوع من التدين الشكلى المتحلق حول الأعضاء والنساء، لكن بقيت طريقة المصريين فى إيمانهم، بعيدة عن التطرف والجلابيب القصيرة والعقول الصغيرة التى اختصرت الإسلام فى سروال وخيال مريض وأربع زوجات. ومع الوقت اتضح أن هذا التدين الجامد كان ينتج بمعرفة المخابرات الأمريكية لمواجهة الاتحاد السوفيتى، ولما توقفت الحرب الباردة انصرفت أمريكا عن وهابيتها، وانصرفت المملكة عن تطرفها ونحت اتجاها آخر - يعاكس ما سبق - بحثا عن طريق آخر.

لكن بقى المصريون فى طريقهم، بعيدا عن هذا الهلام، يعيشون حياتهم ويؤمنون بربهم أكثر تسامحا وتنوعا، وبقى التدين المصرى، علاقة أزلية تربط المصريين بالإيمان، منذ أن ابتدعوا الدين والإيمان قبل نزول الأديان السماوية، وبنوا حضارتهم وحكمتهم وفنونهم ونقلوها للعالم، ويحتل آل البيت مكانة خاصة فى قلوب المصريين الذين يحتفلون بكل مذاهبهم ومعتقداتهم بمولد السيدة زينب والحسين والسيد البدوى والعذراء ودميانة، وكل صاحب كرامة، ويعتقد كثيرون - شمالا وجنوبا - بأن مصر محروسة بكل هؤلاء الأولياء، ولهذا عندما ظهر بعض المتطرفين واخترعوا تحريمات وتحليلات لفظهم المصريون إلى خارجها، لأنهم كانوا نبتا شيطانيا.

لكن المفارقة أن الجدل عاد بشكل جديد، كأن هناك من يرهقه أن يحتفل المصريون كعادتهم، حيث إن مولدى السيد البدوى او إبراهيم الدسوقى، ومعهما الحسين والسيدة والعذراء ودميانة، هى جزء من أسرار المصريين تنعقد على مدار مئات السنين، لكن جدلا اندلع بشكل مدهش، كأن الموالد تم اختراعها الآن، وانتقل الجدل إلى قناة عربية تبث من مصر، وحاول المذيع أن يدفع ضيفه وهو أستاذ فقه إلى إدانة هذه الموالد وما يصاحبها من تصرفات، وهو أمر بدا مثيرا، حيث بدا المذيع كأنه يعيد أسئلة وهابية، فى وقت تخلت المملكة عن هذا التطرف، والمذيع يعرف أن هذه الاحتفالات أمر تلقائى، ولا علاقة لها بالحل أو بالتحريم، لكن يبدو أن المذيع أراد أن «يهيص فى الهيصة»، استمرارا لسلوك مزدوج، لا يمكنه فيه إخفاء كونه ينطق بلسان «معووج»، وإذا بنا نعيد جدلا يفترض أنه انتهى من سنين وعقود، فلا علاقة للموالد بالإيمان والشرك، ولا علاقة للمصريين بهذا الجدل السلفى الذى انتهى مع الحرب الباردة، ويعود مع حرب «تافهة» كأننا «أمام إيفنت من إياهم» بينما الموضوع أسهل وأبسط.

لأن هؤلاء «العميقين» ممن يخترعون معارك من لا شىء، لا يعرفون معنى المولد للناس العادية، بل وحتى هؤلاء الذين يرتدون ملابس ملونة لطرق، أو يبدون بعض « المجذوبية» هم بشر يرتاحون فى هذا العالم، وليس لأى منهم مطالب أو آراء عميقة، تناسب آراء متعددة الألوان والأهداف، ممن يطرح الأمر لنقاش عبثى، وهم لا يعرفون أن مصر تنفرد بهذا العدد من أولياء الله الذين جاء بعضهم من أماكن بعيدة، أو عرف الناس كراماتهم، وبعضهم بالطبع مجهول أو معلوم، باعتبار أنه مرت عليهم قرون طويلة، ومن المفارقات أنه بينما تحتل السيدة زينب والسيدة نفيسة والحسين والسيد البدوى والدسوقى وزين العابدين مكانة خاصة لدى المصريين وعامة المسلمين بمذاهبهم وطوائفهم، فإن مصر كان لها النصيب الأكبر فى رحلة العائلة المقدسة للسيد المسيح عليه السلام والسيدة مريم، اللذين جاءا إلى مصر يبحثان عن الأمان، وسافرا من شرق مصر إلى جنوبها، وهى رحلة مسجلة أيضا تضاعف من شعور المصريين بقيمة أن مصر «مؤمنة ومحروسة»، وهى معتقدات لا تمنع التدين ولكنها تمنع التطرف والكراهية، فهى احتفالات وليست معتقدات.


 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

منتخب مصر يتعادل مع نيجيريا 1 - 1 فى الشوط الأول استعدادا لأمم أفريقيا

نظر قضية المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات بينهما يناير المقبل

حفل جوائز ذا بيست 2025.. عثمان ديمبيلى يتوج بأفضل لاعب فى العالم

إمام عاشور وزيزو وصابر في تشكيل منتخب مصر ضد نيجيريا

محامى عروس المنوفية: المتهم أقر فى التحقيقات بتعديه على زوجته حتى الموت


أحمد صلاح وسعيد يعودان للقاهرة بعد فسخ التعاقد مع طائرة السويحلى الليبى

يورتشيتش: حزين على خسارة الدورى.. وهناك أندية لا تتوقف فى الإشارة الحمراء

موعد الجولة الثانية من بطولة كأس عاصمة مصر والقنوات الناقلة

رحلة محمد صلاح مع جائزة THE BEST.. أسطورة مصرية على الساحة العالمية

الحكومة توضح حقيقة فيديو وجود عيوب هندسية بكوبرى 45 الدولى بالإسكندرية


الطقس غدا.. أجواء باردة وانخفاض بالحرارة وأمطار والصغرى بالقاهرة 12 درجة

تعرف على رسالة حمزة عبد الكريم إلى الأهلى بسبب عرض برشلونة

موعد مباراة منتخب مصر ونيجيريا فى التجربة الأخيرة قبل أمم أفريقيا

التأمينات الاجتماعية تحدد موعد صرف معاشات يناير 2026.. اعرف اقرب منفذ ليك

رئيس وزراء بيهار الهندية ينزع نقاب طبيبة مسلمة ويثير غضبا واسعا

وزارة الصحة توجه للمواطنين رسائل هامة لمنع عدوى الأنفلونزا.. صور

بلاغ ضد نادية الجندى بتهمة القذف والتشهير بفريال يوسف

حادث قطار طوخ.. 10 مشاهد من سقوط حاويات البضائع بمنطقة السفاينة

تفاصيل مقتل أم ضيف بعد طلاقها فى البدرشين

أحمد السقا: أصحابى دعمونى أمس والنهاردة قالوا عليا عندى إيجو

لا يفوتك


2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش

2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 04:37 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى