ما عدة المطلقة رجعيا إذا مات زوجها أثناء العدة؟.. دار الإفتاء تجيب

ورد سؤال لـ دار الإفتاء المصرية، جاء مضمونة " ما عدة المطلقة رجعيًّا إذا مات زوجها أثناء العدة؟ فقد طلقنى زوجى رجعيًّا لأول مرة منذ أسبوعين، وقد مات بالأمس؛ فهل على أن أعتدّ عدَّة الطلاق الرجعى أم عدَّة الوفاة؟".

وجاء رد دار الإفتاء كالتالي:

أحكام الطلاق الرجعي

الطلاق الرجعي هو طلاق الرجل امرأتَه المدخول بها طلاقًا دون الثلاث فى غير مقابلة مال، وحكمه أنَّه لا يزيل الملك ولا الحلَّ ما دامت المرأة فى العدَّة، وإنَّما ينقص به ما كان يملكه الزوج من عدد الطلقات.

ولا خلاف أن المطلقة طلاقًا رجعيًّا تثبت لها سائر أحكام الزوجية من حبسها على زوجها، وتحريمها على الغير، وبقاء عصمتها فى يده بحيث يعيدها متى شاء ولو بغير رضاها طالما كانت فى العدَّة؛ وأنَّها ترث زوجها إذا مات وهى فى عدَّتها من الطلاق الرجعي.

قال العلَّامة البابرتى الحنفى فى "العناية شرح الهداية" (4/ 174، ط. دار الفكر): [وقوله: (والمطلقة الرجعية تتشوَّف وتتزين) التشوف خاص فى الوجه والتزين عامٌّ، تَفَعُّل من شُفْتُ الشيء جلوته، ودينار مَشُوفٌ: أى مَجْلُوٌّ، وهو أن تجلو المرأة وجهها وتصقل خديها، وقوله: (إذ النكاح قائم بينهما) يدل عليه أن التوارث قائم بينهما، وكذلك جميع أحكام النكاح قائم] اهـ.

وقال إمام الحرمين الجُوَيْنِى الشافعى فى "نهاية المطلب" (14/ 48، ط. دار المنهاج): [الرجعية زوجة ما دامت فى العدَّة] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلى فى "المغني" (7/ 519، ط. مكتبة القاهرة): [والرجعية زوجة يلحقها طلاقه، وظهاره، وإيلاؤه، ولعانه، ويرث أحدهما صاحبه بالإجماع] اهـ.

عدة المرأة المطلقة

المقرر أن عدَّة المطلَّقة تنتهى بوضع الحمل أن كانت حاملًا، أمَّا أن كانت غير حامل: فإن كانت من ذوات الحيض فإنها تنتهى بمضى ثلاثة قروء، وذلك فى حدود مدةٍ لا تقل عن ستين يومًا من تاريخ الطلاق، والقُرْء هو الحيض عند الحنفيَّة، وإن كانت من غير ذوات الحيض فإنها تنقضى بمضى ثلاثة أشهر هجرية عقيب الطلاق.

والأصل فى أحكام عدَّة المطلَّقة قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ أن ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4].

قال الإمام السَّرَخْسِى فى "المبسوط" (6/ 15، ط. دار المعرفة): [وعدَّة الحامل أن تضع حملها ولو وضعت حملها بعد الطلاق بيوم لقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]؛ ولأنَّ وضع الحمل أدلُّ على ما هو المقصود وهو معرفة براءة الرحم من الأقراء، وعدة الآيسة... ثلاثة أشهر بالنص] اهـ.

عدة المرأة التى توفى عنها زوجها

بالنسبة للمرأة التى توفى عنها زوجها، فإن كانت من غير ذوات الحمل فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، يستوى فى ذلك المدخول بها وغير المدخول، والصغيرة والكبيرة، ومن تحيض ومن لا تحيض، فكلهنَّ داخلات فى عموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234].

قال الإمام القرطبى فى "تفسيره" (3/ 183، ط. دار الكتب المصرية) عند قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234]: [عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة والتى لم تبلغ المحيض، والتى حاضت واليائسة من المحيض والكتابية دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل، وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام، لعموم الآية فى قوله تعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234]] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة فى "المغني" (8/ 115): [أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولًا بها، أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة، أو صغيرة لم تبلغ] اهـ.

وأمَّا أن كانت حاملًا فإن جمهور الفقهاء والصحابة على أنَّها تعتد بوضع الحمل، وخالفهم على بن أبى طالب رضى الله عنه وابن عباس رضى الله عنهما فى إحدى الروايتين؛ حيث رأوا أن عدتها إنما تكون بأبعد الأجلين من وضع الحمل أو عدة الوفاة.

وعلَّة الجمهور هى أن قوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4] قد بيَّن أن عدة الحامل هى وضع الحمل دون أن يفصل بين المطلَّقة والمتوفى عنها زوجها.

قال الإمام السَّرَخْسِى فى "المبسوط" (6/ 31): [المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملًا فعدتها أن تضع حملها عندنا، وهو قول ابن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما، وكان على رضى الله عنه يقول: تعتد بأبعد الأجلين إمَّا بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشر؛ لأن قوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4] يوجب عليها العدَّة بوضع الحمل، وقوله تعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234] يوجب عليها الاعتداد بأربعة أشهر وعشر فيجمع بينهما احتياطًا.

وقال الإمام ابن قدامة فى "المغني" (8/ 117-118): [أجمع أهل العلم فى جميع الأعصار على أن المطلَّقة الحامل تنقضى عدتها بوضع حملها، وكذلك كل مفارقة فى الحياة، وأجمعوا أيضًا على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملًا، أجلها وضع حملها، إلا ابن عباس رضى الله عنهما، وروى عن على رضى الله عنه -من وجه منقطع- أنها تعتد بأقصى الأجلين] اهـ.

عدة المطلقة رجعيًّا إذا مات زوجها أثناء العدة

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الرجل إذا طلَّق امرأته طلاقًا رجعيًّا ثم مات عنها وهى فى العدَّة ولم تكن حاملًا، بطلت عدة الطلاق عنها ولزمتها عِدَّة الوفاة، وهى أربعة أشهر وعشرة أيام، أمَّا إذا كانت حاملًا فإنَّ عدتها تنقضى بوضع الحمل، ولا تتحوَّل عدتها إلى عدَّة وفاة.

قال العلَّامة الكاسانى الحنفى فى "بدائع الصنائع" (3/ 200، ط. دار الكتب العلمية): [إذا طلَّق امرأته ثم مات، فإن كان الطلاق رجعيًّا انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة، سواء طلَّقها فى حالة المرض أو الصحة، وانهدمت عدة الطلاق، وعليها أن تستأنف عدة الوفاة فى قولهم جميعًا؛ لأنها زوجته بعد الطلاق؛ إذ الطلاق الرجعى لا يوجب زوال الزوجية، وموت الزوج يوجب على زوجته عدة الوفاة؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾، كما لو مات قبل الطلاق] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكى فى "الكافى فى فقه أهل المدينة" (2/ 584، ط. مكتبة الرياض): [إن كانت مدخولًا بها اعتدت من يوم طلاقه، فإن كان طلاقه بائنًا ومات فى العدَّة لم تنتقل عدتها، وإن كان طلاقها غير بائن انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكى فى "الشرح الكبير" (2/ 476، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية الدسوقي"): [لو مات زوج المطلَّقة طلاقًا رجعيًّا أثناء عدتها فإنها تنتقل إلى عدة وفاةٍ، حرةً كانت أو أمة] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِى فى "مغنى المحتاج" (5/ 95، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن مات عن) مطلَّقة (رجعية انتقلت إلى) عدة (وفاة) بالإجماع كما حكاه ابن المنذر، فتلغو أحكام الرجعة، وسقطت بقية عدة الطلاق، فتسقط نفقتها، وتثبت أحكام عدَّة الوفاة من إحداد وغيره (أو) مات عن مطلَّقة (بائن) (فلا) تنتقل لعدة وفاة؛ لأنها ليست بزوجة فتُكمل عدَّة الطلاق] اهـ.

وقال العلَّامة البهوتى الحنبلى فى "شرح منتهى الإرادات" (3/ 194، ط. عالم الكتب): [مات (زوج) مطلقةٍ (رجعية) قبل انقضاء عدتها (سقطت) عدةُ طلاق (وابتدأت عدةُ وفاة من موته)؛ لأنها زوجة يلحقها طلاقه وإيلاؤه (وإن مات فى عدة من أبانها فى الصحة لم تنتقل) من عدة الطلاق؛ لأنها أجنبية منه فى النظر إليها والتوارث ولحوقها طلاقه ونحوه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك، وفى واقعة السؤال: فما دام زوجك قد طلقك طلاقًا رجعيًّا غير مكمّلٍ للثلاث ثم مات أثناء عدَّتك، فإذا كنتِ حاملًا فإنَّ عدَّتك تنتهى بوضع الحمل، وإذا كنت غير حامل فإنك تبدئين عدَّة وفاة من يوم وفاته (أربعة أشهر وعشرة أيَّام)، ولا يحتسب من العدَّة ما قضيتِه من عدَّة الطلاق قبل موته.

والله سبحانه وتعالى أعلم.