سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 4 أكتوبر 1883.. الإفراج عن «سعد أفندى زغلول» بعد احتجازه أربعة شهور لاشتراكه فى جمعية سرية تقاوم الاحتلال وترسل منشورات غامضة إلى الخديو توفيق وكبار رجال الدولة
كانت ورقة صغيرة تم العثور عليها وقت القبض على سعد أفندى زغلول أحد أسباب بقائه أربعة شهور فى السجن على ذمة قضية «العصبة الوطنية المصرية»، حسبما يذكر الدكتور يونان لبيب رزق فى الجزء الثانى من «الأهرام، ديوان الحياة المعاصرة».
يؤكد «رزق»، أن هذه الجمعية كانت أول جماعة نشأت لمقاومة الوجود البريطانى، بعد شهور قليلة من الاحتلال الذى بدأ بهزيمة أحمد عرابى فى التل الكبير يوم 13 سبتمبر 1882، ويذكر «رزق» أنها أخذت مسميات مختلفة، فأحيانا سموها «جمعية الانتقام»، وأسماها أحمد شفيق باشا أحد رجال المعية السنية أو قصر عابدين خلال تلك الفترة وما بعدها فى مذكراته «المؤامرة الوطنية المصرية»، وأسماها مأمور الضبطية الذى ضبطها وتولى التحقيق مع رجالها «جمعية الخطابات»، وأسمتها جريدة الأهرام «العصبة السرية الانتقامية»، ويذكر «رزق» أن المسميات تعددت بسبب «الطابع السرى الذى تلفحت به».
بدأ نشاط هذه الجمعية فى مطلع 1883، ويذكر «أحمد شفيق باشا» فى الجزء الأول من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، أن القانون الأساسى لها اشترط أن تقبل فى عضويتها كل شخص مصرى أو أجنبى مسلم أو مسيحى يدفع خمسة جنيهات إنجليزية إعانة للجمعية، ويقسم اليمين على الطاعة العمياء، وأن تكليف أحد لأعضاء بشىء يكون بالاقتراع وبعد ثبوت كفاءته، ويحصل العضو عند انخراطه فى سلكها على طبنجة وخنجر وبندقية.
ويذكر يونان لبيب رزق، أنها أرسلت منشورات غامضة إلى كبار رجال الدولة بعضها باللغة الفرنسية، وأخرى بالفرنسية والعربية، وحمل بعضها توقيع «المنتقم بالعربية» وأخرى توقيع «العصبة الوطنية المصرية»، ويضيف رزق، أن هذه الخطابات التهديدية أرسلت إلى الخديو توفيق ورئيس النظار «الوزراء» شريف باشا والنظار والأمراء وقناصل الدول الأجنبية بمن فيهم القنصل الإنجليزى والألمانى والنمساوى، بينما أرسلت منشورات أخرى إلى بعض الأعيان، توضح فيها مقاصد الجمعية وتطلب عونهم فى تحقيق هذه المقاصد.
وكشفت الجمعية عن أهدافها فى منشور أرسلته إلى قنصل ألمانيا العام، وقالت فيه، إنها تعمل على تحرير الوطن وطرد الإنجليز من مصر، وإخراجهم من وظائف الحكومة أو من توظف منهم فى الجيش، وأن الجمعية عقدت العزم على الاستمرار فى هذه الحرب الصامتة، وحددت 4 أغسطس 1883 لبدء عملها الانتقامى، واستخدام القوة مع من يتعامل مع الجنود الإنجليز بالبيع والشراء، وأرسلت إلى رئيس مجلس النظار شريف باشا تطالب بمنع بيع البنادق والمدافع الخاصة بالجيش المصرى، لأن هذه الأسلحة ملك الأمة اشترتها بدمائها وعرق جبينها، وحددت ثمانية أيام على الأكثر كى يعلن شريف باشا فى الصحف عن وقف هذا البيع وإلا سوف يتعرض النظار للعقاب العاجل.
تذكر «الأهرام» يوم 14 يونيو 1883 أنه تم القبض على 10 أشخاص بتهمة تكوين هذه الجمعية، ووصفتهم ب»الرعاع»، وبعد أسبوع قالت إن المتهمين سبعة، وكانوا يعقدون اجتماعاتهم فى دار أحد الكبراء وهو عبدالرازق بك الذى كان رئيسا للمدرسة الحربية فى الثغر، أما كاتم أسرار الجمعية فاسمه «محمد سعيد الحكيم» وهو طبيب مغربى، وكان سعد زغلول من بين المقبوض عليهم، وعن حالته الشخصية والسياسية وقتئذ، يذكر يونان رزق أنه ووفقا لتغطية الأهرام للحدث: «فى 3 مايو 1882 نقل سعد زغلول أفندى من وظيفته كمحرر فى «الوقائع المصرية» إلى وظيفة معاون بنظارة الداخلية ومنها إلى وظيفة «ناظر قلم الدعاوى» بمديرية الجيزة فى 6 سبتمبر 1882، وبعد ضرب الثورة العرابية وفى 6 أكتوبر 1882 رفت الرجل من وظيفته، جزاء على الدور الذى قام به من حيث التحريض فى الصحف، وإن لم يقدم للمحاكمة مثل آخرين.
يضيف «رزق»: «خرج سعد أفندى من الوظيفة الحكومية، وفتح مكتبا لوكالة الدعاوى «المحاماة» مع صديق له حتى تم القبض عليهما مع من قبض عليهم بتهمة الاشتراك فى العصبة، ورغم محاولات المحققين المستمرة، أصر على إنكار أية علاقة له بالعصبة المذكورة، ثم أن هؤلاء لم ينجحوا من ناحية أخرى فى إثبات تلك العلاقة، وهو ما حدث مع كثيرين».
يذكر رزق، أن المحققين استندوا فى حجز سعد زغلول على ورقة صغيرة ضبطت لديه وبها رموز، وأجاب عندما سئل عنها بأنها حروف فرنسية اعتاد كتابتها، ورغم ذلك بقى سعد فى الحبس لأكثر من أربعة شهور، ويقول رزق: «تشير بعض المصار إلى أنه لم يفرج عنه إلا بعد أن اتصل الشيخ محمد عبده من باريس بالمستر بلنت صديق العرابيين فى لندن، وتدخل لإتمام هذا الإفراج فى 4 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1883 بعد ضمان قدمه رجل اسمه أحمد عثمان «الكتبى» وجاء فيه: «إن ضمانتى للمذكور هى على شرط استقامته وحسن سيره وسلوكه وعدم تداخله فى الأمور السياسية»، ويرى رزق: «عملية احتجاز سعد زغلول والتحقيق معه كانت من أهم أسباب شهرة تلك الجمعية».
Trending Plus