حين تُفسد النوايا الكلام

محمود عبد الراضى
محمود عبد الراضى
محمود عبد الراضى

في كل مرة أشرع فيها في كتابة مقال رأي جديد ضمن سلسلتي الاجتماعية التي بدأتها منذ سنوات، أجد في داخلي شيئًا يشبه الفرح الهادئ، ذلك الإحساس الدافئ بأن الكلمة ما زالت قادرة على أن تلمس القلوب، وأن الحروف ما زالت تنبض بما يهم الناس، وتسكن تفاصيل يومهم، وتمنحهم – ولو بقدر بسيط – شيئًا من الأمل.

وما يسعدني أكثر من أي شيء، هو لهفة القراء عليها، ذلك التفاعل الذي لا يُشترى، حين أشعر أن ما أكتبه يعبر عنهم، ويضيء لهم زاوية كانت معتمة في داخلهم.

وربما يكون الأجمل من كل هذا، تلك الجلسة الصباحية التي تجمعني يوميًا بصديقي وزميلي الكاتب الصحفي الكبير زكي القاضي، لا شيء يشبه متعة الحوار مع زكي، ذلك المثقف الهادئ، المتزن، ابن الصعيد الذي يحمل حكمة الأرض وجمال البساطة.

رغم زخم العصر وتطبيقاته، ما زال "زكي" يقرأ بشغف العاشق، لا يفارقه كتاب، ولا يتخلى عن متعة الورق لصالح الشاشات، تتبعه عيناه حيث تمضي الحروف، وكأنه يعيش داخل كل سطر، ويصادق كل فكرة، ويختبرها كأنها خُطّت له وحده، تلك العلاقة الحميمة بينه وبين الكتاب تجعل منه قارئًا وكاتبًا نادرًا، وصديقًا لا يملّ النقاش.

مؤخرًا، اقترح صديقي "زكي" موضوعًا شائكًا، لكنه واقعي إلى حد القسوة: "هؤلاء الذين يفسرون كلام الناس كما يحلو لهم، أو يتعمدون إخراجه من سياقه لخلق فتنة أو إثارة شقاق"، وجدت في حديثه ما يستحق الكتابة، بل والإضاءة العميقة؛ فهذه الظاهرة لم تعد مجرد سوء فهم عابر، بل تحوّلت إلى سلوك هدّام، ينخر في صلب العلاقات الإنسانية، ويفسدها دون رجعة.

كم من بيت تهدّم، وكم من صداقة انكسرت، وكم من علاقات طيبة فسد طعمها لأن أحدهم قرر أن يتعامل مع الكلام على هواه، يُخرجه من معناه، ويصبغه بلونه هو، لا بلون قائله، هناك من لا يكتفي بعدم الفهم، بل يتعمد التشويه.،كأن في قلبه شيئًا من الغِل، وكأن في داخله عجزًا لا يُشفى إلا بإفساد ما بين الناس.

هؤلاء، لا تستهينوا بهم، يتحدثون بلغة ناعمة، يلبسون ثوب الود، لكن في كلماتهم سمّ بارد، يبتسمون، لكن أعينهم مليئة بالحسابات، ينقلون الكلام كما "فهموه"، لا كما قيل، أو كما حدث، في الظاهر ناصحون، وفي الباطن مُفسدون.

هكذا ببساطة، يتحول حوار عادي إلى أزمة، وكلمة بريئة إلى شرارة، وتعبير صادق إلى تهمة، فلا يبقى من العلاقة إلا أطلال، ولا من الثقة إلا حطام.

الخطير في الأمر أن البعض يرى هذه السلوكيات أمرًا بسيطًا، أو نوعًا من الذكاء الاجتماعي، أو حتى التسلية! لكنهم لا يدركون أنهم في الحقيقة يهدمون، يزرعون الحقد، ويشعلون نيران الشك والريبة في النفوس.

إن الكلمة أمانة، والنقل مسؤولية، والتفسير واجب يحكمه الضمير قبل أي شيء، ومن لا يملك قلبًا نقيًا، أو نية خالصة، فالأفضل له أن يصمت، من أن يتحول إلى أداة هدم تسير بين الناس.

نحن بحاجة إلى قلوب أنقى، وإلى نوايا أوضح، وإلى أن نتعلم كيف نصغي، لا فقط كيف نرد، أن نفهم قبل أن نحكم، وأن نحمل الكلام على محمل الخير، لا الشر، ما دمنا لم نرَ فيه سوءًا واضحًا.

ما أجمل أن نعيد إلى علاقاتنا صدقها، وإلى حديثنا براءته، وإلى نوايانا نقاءها، فما الذي يمنعنا من أن نعيش ببساطة، بعيدًا عن التأويل والتصيد؟ وما الذي يجبرنا على الدخول في دهاليز الظن، ما دمنا نستطيع أن نختار النور؟

لا شيء يفسد الحياة أكثر من القلوب التي لا تصفو، والنفوس التي تتغذى على الحقد، ولا شيء يُصلح ما فسد، إلا نية خالصة، وعقل متزن، ولسان صادق.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

4 عادات صباحية تحسن صحة الأمعاء

4 عادات صباحية تحسن صحة الأمعاء الإثنين، 15 ديسمبر 2025 07:00 ص

الأكثر قراءة

الأهلى يدرس غلق ملف تمديد تعاقد أليو ديانج.. اعرف التفاصيل

سباق مع الزمن داخل الزمالك لفك إيقاف القيد قبل ميركاتو يناير

اليوم.. بدء التشغيل التجريبى لمحطة هاتشيسون بميناء السخنة

القنوات الناقلة لمباريات كأس أمم أفريقيا 2025 بمشاركة منتخب مصر

المغرب والإمارات في صدام ناري بنصف نهائي كأس العرب 2025


%91 من القراء يطالبون بضبط شركات السياحة غير المرخصة بتهمة النصب على راغبى العمرة

تعرف على أرقام جروس مع الزمالك فى ذكرى عودته لخوض الولاية الثانية

موعد مباراة الأهلى وسيراميكا فى الجولة الثانية بكأس عاصمة مصر

مواجهة مونديالية بين السعودية والأردن في نصف نهائي كأس العرب 2025

مواعيد مباريات اليوم الإثنين 15-12-2025 والقنوات الناقلة


تعرف على بدائل يزن النعيمات لتدعيم هجوم الأهلى فى يناير

مواعيد مباريات منتخب مصر فى أمم أفريقيا 2025

حالة الطقس اليوم الإثنين 15 ديسمبر.. انخفاض بالحرارة وأمطار غزيرة بهذه المناطق

وزارة التعليم تحدد ممنوعات داخل المدارس بعد وقائع التعدى على الأطفال

عمر متولى ينعى والدته ويطالب الجمهور بالدعاء لها

صور نادرة لـ إيمان شقيقة الزعيم عادل إمام وأرملة الراحل مصطفى متولى

تعرف على مصير أحمد الأحمد البطل الأسترالي مُنقذ ضحايا هجوم سيدني

وكالة الفضاء المصرية تُعلن نجاح إطلاق وتشغيل القمر الصناعي المصرى SPNEX

7 معلومات عن شقيقة عادل إمام أرملة مصطفى متولى

ترامب يشيد بالبطل الأسترالي أحمد الأحمد: أنقذ أرواحا كثيرة في هجوم سيدني

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى