الحرارة كدواء.. كيف يحسن العلاج الحراري الدورة الدموية ويخفض ضغط الدم؟
يبدو أن للدفء قدرةً تتجاوز الإحساس بالراحة؛ إذ بدأت الأبحاث الحديثة تُعيد اكتشاف دور الحرارة كوسيلة علاجية فاعلة لتحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وتخفيف آلام العضلات والمفاصل، بل وحتى خفض ضغط الدم المرتفع لدى كبار السن.
وفقًا لتقرير نشره موقع ميديكال اكسبريس، وساينس دايركت ، ومقال علمي حديث في مجلة Journal of Applied Physiology، فإن تطبيق الحرارة على الجسم بدرجات تتراوح بين 36 و45 درجة مئوية يحفّز الأوعية الدموية على الاتساع، ما يزيد من تدفق الدم ويُحسّن تزويد الأنسجة بالأكسجين والعناصر الغذائية. هذا التفاعل الفيزيولوجي ينعكس مباشرة على تحسين مرونة الأنسجة وتقليل الألم والتيبس العضلي.
كيف تعمل الحرارة داخل الجسم؟
عندما تتعرض منطقة من الجسم لمصدر حراري، ككمادات دافئة أو مغطس ماء أو ضوء الأشعة تحت الحمراء، ترتفع درجة حرارة الجلد والأنسجة تحته. فيستجيب الجسم بتوسيع الأوعية الدموية، مما يزيد من كمية الدم المتدفقة عبر المنطقة، ويُسهم في إزالة الفضلات الالتهابية وتقليل التشنج العضلي. كما تزداد ليونة ألياف الكولاجين في المفاصل، وهو ما يُساعد على استعادة الحركة المفقودة في حالات التيبس المزمن.
الأبحاث التي أُجريت في مركز UNT Health في تكساس بيّنت أن تطبيق العلاج الحراري المنتظم لكبار السن أدى إلى انخفاض ضغط الدم الانقباضي بمقدار خمس درجات تقريبًا خلال ثمانية أسابيع، مع تحسن واضح في وظيفة بطانة الأوعية الدموية، وهي المنطقة الدقيقة التي تتحكم في تمدد الشرايين وتقلصها. هذه النتائج تشير إلى أن الحرارة قد تكون وسيلة فعّالة للمحافظة على صحة القلب والأوعية مع التقدم في العمر.
أنواع العلاج الحراري
ينقسم العلاج الحراري إلى نوعين رئيسيين:
الحرارة السطحية: تشمل الكمادات الدافئة، وسادات التدفئة، أو حمامات البارافين. تؤثر هذه الطرق في الأنسجة القريبة من سطح الجلد وتُستخدم لتخفيف ألم المفاصل الصغيرة أو التشنجات العضلية الخفيفة.
الحرارة العميقة: تعتمد على الموجات فوق الصوتية أو الموجات القصيرة أو الأشعة تحت الحمراء، وتستهدف الأنسجة العميقة كالمفاصل الكبيرة أو العضلات السميكة.
ويؤكد اختصاصيو العلاج الطبيعى أن الحرارة الرطبة أكثر فاعلية من الجافة، لأن الماء ينقل الطاقة الحرارية أسرع من الهواء، مما يُتيح وصول الدفء إلى أعماق العضلات والمفاصل بفعالية أعلى.
متى تُستخدم ومتى تُمنع؟
رغم فوائدها العديدة، فإن العلاج الحراري لا يناسب جميع الحالات. فهو غير مُستحب في حالات الالتهاب الحاد أو النزيف أو الجروح المفتوحة، كما يجب الحذر عند استخدامه لدى المصابين بضعف الإحساس أو اضطرابات الدورة الدموية. أما في حالات الألم المزمن، أو الشد العضلي، أو تيبس المفاصل الناتج عن الالتهاب الروماتويدي أو خشونة المفاصل، فيُعد من أكثر الوسائل المساندة فعالية.
ويحذر الخبراء من تجاوز درجة حرارة 45 مئوية، لأن ذلك قد يؤدي إلى تلف الأنسجة أو حروق سطحية. المدة المثالية للتعرض تتراوح بين 10 و30 دقيقة حسب طبيعة الحالة ونوع المصدر الحراري.
الحرارة وصحة القلب
تشير دراسات متعددة إلى أن تأثير الحرارة على الجهاز القلبي الوعائي يشبه إلى حد كبير تأثير التمارين الرياضية الخفيفة. فارتفاع درجة حرارة الجسم يؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب وتوسّع الأوعية، ما يُساعد على تدريب الجهاز الدوري وتحسين كفاءته. ولهذا السبب يُطلق بعض الباحثين على العلاج الحراري مصطلح “التمرين السلبي”، لأنه يُحفّز الجسم بطريقة مشابهة للرياضة دون جهد عضلي فعلي.
ويقول الدكتور سكوت روميرو، أستاذ علم وظائف الأعضاء بجامعة شمال تكساس، إن “التعرّض المنتظم للحرارة يُحفز استجابة الجسم تمامًا كما تفعل التمارين الهوائية، حيث يتحسن تدفق الدم وتزداد قدرة الأنسجة على استهلاك الأكسجين”.
الأمان أولًا
قبل البدء بالعلاج الحراري، يجب استشارة الطبيب لتحديد الطريقة المناسبة ومدة التطبيق، خصوصًا لمرضى القلب والسكري. كما يُفضّل اختبار درجة الحرارة على اليد قبل وضعها على الجلد لتجنب الحروق، والامتناع عن استخدام المصادر الحرارية فوق المناطق التي تحتوي على غرسات معدنية أو أوردة ملتهبة.
تطبيق الحرارة بشكل متدرج وآمن يُمكن أن يُحدث فارقًا ملموسًا في راحة المريض اليومية، خاصةً لأولئك الذين يعانون من آلام مزمنة أو ضعف في الدورة الدموية.
Trending Plus