هل يوجد تابوت مصرى مصنوع من الفضة؟.. وكيف رأت الحضارات القديمة المعدن؟
منذ فجر التاريخ، لم تكن الفضة مجرد معدن نفيس يستخرج من باطن الأرض، بل كانت لغة رمزية عبرت بها الحضارات القديمة عن تصوراتها للكون والسلطة والمقدس، وإذا كان الذهب قد ارتبط بالشمس والخلود، فإن الفضة بلونها ولمعانها اقترنت بالليل، وبالعالم الآخر، وبالطهارة، وبالقدرة على العبور بين العوالم.
الفضة فى حضارات الشرق الأدنى
فى بلاد الرافدين، لعبت الفضة دورًا اقتصاديًا مركزيًا، فقد كانت وحدة قياس للقيمة قبل ظهور العملة المعدنية، واستخدمت فى المعابد والقرابين وأختام الأسطوانات، وتشير النصوص المسمارية إلى أن الفضة كانت تقاس بالأوزان الدقيقة وتدخل فى المعاملات الرسمية، بما يعكس مكانتها بوصفها معدنًا للثقة والتبادل.
الفضة فى الحضارة الإغريقية
عند الإغريق، ارتبطت الفضة بالإلهة أرتميس وبالليل والنقاء، كما كانت أساسًا لاقتصاد المدن الكبرى، لا سيما مناجم لوريون فى أثينا التى مولت الأسطول الأثيني، هنا تحولت الفضة من رمز دينى إلى قوة سياسية تمكّن المدينة من الهيمنة والتمدّد.
الفضة فى الحضارة الرومانية
ورث الرومان هذا الإرث، وجعلوا من الفضة عماد نظامهم النقدى عبر عملة الديناريوس، ومع التوسع الإمبراطوري، أصبحت الفضة رمزًا للسيادة المركزية، بينما ظل استخدامها فى الطقوس الجنائزية أقل حضورًا من الذهب، باستثناء طبقات اجتماعية محددة.
الفضة فى الحضارة المصرية القديمة: الندرة تصنع القداسة
فى مصر القديمة، كانت الفضة أندر من الذهب. فمناجم الذهب كانت متاحة داخل الأراضى المصرية، بينما كانت الفضة تستورد غالبًا من آسيا الصغرى أو بلاد الشام. ولهذا ارتبطت الفضة بالصفاء والقمر وعظام الآلهة، كما ورد فى بعض النصوص الدينية.
وقد استخدمت الفضة في الحلى الملكية، والأدوات الطقسية، والأقنعة والتوابيت النادرة، ويوجد تابوت ملكى مصنوع من الفضة الخالصة، وهو تابوت الفرعون بسوسنس الأول (Psusennes I)، أحد ملوك الأسرة الحادية والعشرين (نحو القرن الحادى عشر قبل الميلاد).
التابوت مصنوع من الفضة الخالصة تقريبًا، ومطعم بتفاصيل ذهبية، عثر عليه فى مقبرة تانيس بدلتا مصر عام 1940 على يد عالم الآثار الفرنسى بيير مونتيه، ويعد أندر تابوت ملكى مصرى من حيث المادة، ومحفوظ ضمن كنوز تانيس الملكية.
والقطعة محفوظة رسميًا ضمن مقتنيات المتاحف المصرية، وقد أُعلن إدراج كنوز تانيس — وعلى رأسها تابوت بسوسنس الأول الفضى — ضمن سيناريو العرض فى المتحف المصرى الكبير بوصفها من أهم شواهد الندرة الملكية فى مصر القديمة.

Trending Plus