"مدينة البيض فقط" داخل أمريكا… مستوطنة مغلقة تراهن على زمن ترامب
في عمق الريف الأمريكي، بعيدًا عن صخب المدن الكبرى، يتشكّل مشهد صادم يعكس عودة أفكار التفوق العرقي في أكثر صورها تنظيماً وجرأة، حيث كشفت تقارير إخبارية عن قيام تجمع سكني مغلق لا يسمح بالعيش فيه إلا للبيض، تحت غطاء الهوية التقليدية والعودة إلى الجذور.
قرية معزولة بفكر إقصائي
المجمع، الذي أُقيم في منطقة نائية بولاية أركنساس، يبدو ظاهريًا كقرية ريفية هادئة تمتد على عشرات الهكتارات، لكنه في جوهره مشروع أيديولوجي مغلق، يهدف إلى بناء مجتمع "نقي عرقيًا"، لا مكان فيه لغير البيض أو المختلفين دينيًا أو ثقافيًا. يقطنه عشرات الأشخاص، بينهم أطفال، معظمهم من الشباب المنتمين إلى تيارات يمينية متطرفة ترى في نفسها حائط الصد الأخير أمام التغير الديمغرافي في الولايات المتحدة.
من السكن إلى العقيدة
الانضمام إلى هذا التجمع لا يقوم على القدرة المالية فقط، بل يخضع لاختبارات صارمة تتعلق بالأصول العرقية الأوروبية، والمعتقدات الفكرية، والالتزام الصريح برفض التعددية. ويُطلب من الراغبين في العيش داخله تبني أفكار تمييزية تتجاوز الخطاب السياسي إلى قناعات بيولوجية وعنصرية صريحة، في إعادة إنتاج لنظريات طالما اعتُبرت من مخلفات القرن الماضي.
التفاف قانوني محسوب
ورغم أن هذه الممارسات تصطدم مباشرة بالقوانين الفدرالية التي تحظر التمييز في السكن، فإن القائمين على المشروع لجأوا إلى حيل قانونية معقدة، عبر بيع حصص في كيان تجاري بدلاً من بيع أراضٍ سكنية، لتفادي تصنيفهم كمطورين عقاريين خاضعين لقوانين الإسكان العادل. هذا الالتفاف سمح للمجمع بالاستمرار حتى مع فتح تحقيقات رسمية لم تصل بعد إلى حسم نهائي.
رهان سياسي ومواجهة مفتوحة
القائمون على المشروع لا يخفون استعدادهم للمواجهة القانونية، بل يرون في أي صدام قضائي فرصة لتحويل أنفسهم إلى “ضحايا” في خطابهم الدعائي، مستفيدين من مناخ سياسي يعتبرونه مواتياً لصعود خطابهم. ويجري تقديم هذه المستوطنة كنموذج أولي يمكن تكراره مستقبلاً في ولايات أخرى، إذا ما نجح في فرض أمر واقع قانوني أو سياسي.
ناقوس خطر داخل المجتمع الأمريكي
هذا التطور يثير مخاوف واسعة من انتقال اليمين المتطرف في الولايات المتحدة من الفضاء الرقمي والخطاب التحريضي إلى بناء مجتمعات مادية مغلقة، تقوم على الإقصاء الصريح، وتضع الدولة أمام اختبار حقيقي بين إنفاذ القانون أو ترك هذه الجيوب الأيديولوجية تتمدد تحت عناوين زائفة عن الحرية والخصوصية.
Trending Plus