جنون الأسعار يضرب طقوس الكريسماس..القهوة والكاكاو يسجلان قفزات تاريخية ويحولان أعياد الميلاد من دفء الاحتفال إلى صدمة اقتصادية عالمية.. وارتفاع التكلفة يرهق الأسر ويربك الأسواق
تشهد أسواق السلع الغذائية العالمية منذ أكثر من عام موجة غير مسبوقة من الارتفاعات السعرية، كان أبرزها في سلعتين لا غنى عنهما على موائد الملايين حول العالم: القهوة والكاكاو، وبينما تقترب احتفالات عيد الميلاد والكريسماس، التي يرتبط بها استهلاك مرتفع للمشروبات الساخنة والحلويات والشوكولاتة، يجد المستهلكون أنفسهم أمام واقع جديد: نكهة الاحتفال أصبحت أكثر كلفة من أي وقت مضى.
القهوة.. من عادة يومية إلى رفاهية متزايدة الكلفة
وسجلت القهوة، ثاني أكثر مشروب استهلاكًا في العالم بعد الماء، خلال السنوات الأربع الأخيرة قفزات سعرية لافتة، وصلت في بعض الأسواق الاستهلاكية إلى أكثر من 130%، وعلى المستوى العالمى، تأثرت أسعار القهوة بعدة عوامل متداخلة، أبرزها التغيرات المناخية التي ضربت دول الإنتاج الرئيسية مثل البرازيل وكولومبيا وفيتنام، حيث تسببت موجات الجفاف والفيضانات في تراجع المحاصيل وارتفاع تكاليف الزراعة.
إلى جانب المناخ، لعبت المضاربات في أسواق العقود الآجلة دورًا حاسمًا في تسريع وتيرة الارتفاع. ففي هذه الأسواق، يتم شراء القهوة ، على الورق، قبل إنتاجها فعليًا، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تضخيم الأسعار بعيدًا عن العرض والطلب الحقيقيين، كما ساهم ارتفاع تكاليف النقل والطاقة، بعد الأزمات الجيوسياسية العالمية، في زيادة سعر الكيلوجرام الواحد من البن عند وصوله إلى المستهلك النهائي.
ومع دخول فصل الشتاء في أوروبا وأمريكا الشمالية، يزداد الطلب على القهوة بشكل موسمي، وهو ما يضغط أكثر على الأسعار، خاصة مع تراجع المخزونات العالمية.
الكاكاو.. أزمة أعمق تهدد صناعة الشوكولاتة
إذا كانت القهوة تعاني من تقلبات حادة، فإن الكاكاو يواجه واحدة من أسوأ أزماته التاريخية، فقد سجلت أسعار الكاكاو في الأسواق العالمية مستويات قياسية خلال 2025، مدفوعة بتراجع الإنتاج في غرب أفريقيا، التي توفر أكثر من 60% من الإنتاج العالمى، خصوصًا في ساحل العاج وغانا.
الأمراض الزراعية، وارتفاع درجات الحرارة، ونقص الاستثمارات فى مزارع الكاكاو، كلها عوامل ساهمت في تقليص المعروض، كما أن عزوف المزارعين عن زراعة الكاكاو بسبب انخفاض العائد مقارنة بمحاصيل أخرى، أدى إلى خلل هيكلى في السوق.
هذه الأزمة انعكست مباشرة على أسعار الشوكولاتة ومنتجات الكاكاو، حيث لجأت كبرى الشركات العالمية إلى تقليص أحجام المنتجات أو رفع الأسعار، في محاولة لتعويض ارتفاع تكاليف المواد الخام.
الكريسماس تحت ضغط الأسعار
يأتي هذا الارتفاع الحاد في توقيت حساس، مع اقتراب احتفالات عيد الميلاد والكريسماس، التي تشهد تقليديًا ذروة في استهلاك القهوة الساخنة، والكاكاو، والشوكولاتة، والحلويات المرتبطة بالموسم الشتوي. ففي أوروبا على وجه الخصوص، تُعد أسواق الكريسماس والمقاهي جزءًا لا يتجزأ من الطقوس الاجتماعية، حيث يزداد الإقبال على المشروبات الدافئة مثل القهوة والكاكاو الساخن.
لكن هذا العام، تغير المشهد. فقد بدأت المقاهي والمتاجر في تمرير جزء من التكلفة إلى المستهلكين، ما جعل كوب القهوة أو قطعة الشوكولاتة أغلى من المعتاد، وفي بعض الدول، باتت الأسر تقلص مشترياتها أو تبحث عن بدائل أقل كلفة، فى مؤشر على أن التضخم الغذائى بدأ يؤثر حتى على العادات الموسمية.
هل من حلول قريبة؟
ويرى الخبراء أن استقرار أسعار القهوة والكاكاو لن يحدث سريعًا، فالتغير المناخي مرشح للاستمرار، وسلاسل الإمداد لا تزال هشة، بينما تلعب الأسواق المالية دورًا متزايد التأثير في تسعير السلع الأساسية. في المقابل، تُطرح مقترحات مثل دعم المزارعين، وتنويع مصادر الإنتاج، وتعزيز الشفافية في أسواق العقود الآجلة، كخطوات ضرورية للتخفيف من حدة الأزمات المستقبلية.
وبين القهوة التي أصبحت عبئًا يوميًا على ميزانيات الأسر، والكاكاو الذي يهدد بهز صناعة الشوكولاتة، يقف المستهلك العالمي أمام شتاء مختلف، ومع اقتراب أضواء الكريسماس، يبدو أن دفء الاحتفالات هذا العام سيكون ممزوجًا بقلق اقتصادي واضح، يعكس تحولات أعمق في أسواق الغذاء العالمية، حيث لم تعد السلع الأساسية بمنأى عن الأزمات الكبرى.
Trending Plus