خريطة أولويات واشنطن.. وما يجب الانتباه إليه أوروبيا وعربيا
لا أحد ينكر أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تسبب فى قلب النظام الجيوسياسي الدولي رأسا على عقب، وفرض مواقف غير معهودة للإدارة الأمريكية في ملفات داخلية وخارجية، سواء بقرارات مثيرة للجدل أو تحركات أتت من أجل الاستقرار إلا أنها وصفت بأنها استثمار في الصراع، والعنوان الأبرز دائما "أمريكا أولا"، لذلك كان هناك اهتمام واسع بوثيقة الأمن القومى الأمريكي الجديدة وخريطة الأولويات، وبات السؤال الأبرز كيف ستتعامل واشنطن مع الشرق الأوسط ومع روسيا ومع الصين، ومع أوروبا..؟
أيا كان الأمر، ما نود أن نسلط الضوء عليه في هذا المقال، أن هذه الوثيقة الجديدة بمثابة إعادة للحسابات الأمريكية بشأن الهيمنة والقيادة العالمية، فالانتقال من معانٍ تقليدية إلى تصورات جديدة في إدارة العالم أمر بالغ الحساسية، وقد تكون انعكاساته كبيرة، ليس فقط على الدول التي بها صراعات أو تحت الحماية الأمريكية وإنما الانعكاسات ستكون أكثر قوة وتأثيرا للدول ذات التبيعة، والتي اعتقدت لعقود أنها في تحالف استراتيجى مع الولايات المتحدة، فعاشت في تبعية مُطلقة، وهنا الأصابع تشير إلى أوروبا، رغم عدم التطرق إليها في هذه الوثيقة، وما يُعزز هذا التصور وتلك الطرح، لأن الإشارة إلى روسيا باعتبارها قوة عظمى ذات نفوذ في حد ذاته إشارة إلى أوروبا ومستقبلها مع واشنطن، ولأنه بلغة بسيطة خطاب ترامب والتهديد بالتخارج من المنظمات الأممية باعتبارها عبء، وكذلك موقفه من حلف الناتو ، يؤكد أيضا أن النظر إلى الاتحاد الأوروبى بأنه أصبح في رفاهية وثراء على حساب واشنطن، وهو ما لم ينبغي أن يكون مستقبلا.. وهذا يعنى بالدرجة الأولى مزيد من التبعية ودفع ثمن تلك الرفاهية والثراء..
أما القول بأن بشأن الشرق الأوسط لم يعد محور السياسة الأمريكية، لأنه لم يعد مصدراً دائماً للخطر، هذا ما يجب الانتباه إليه، خاصة أن رسالة السيطرة والهيمنة عن طريق الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان عهد ولّى، وهو ما يعنى إنهاء سياسة فرض الديمقراطية وقبول الأنظمة كما هي والحفاظ على شراكات أمنية واقتصادية دون تدخل مباشر، حتى لا يكون هذا عبئاً أيديولوجياً ضاراً كما كان وفق تصورات وحسابات ترامب، بصرف النظر عن التناقضات الترامبية.
الأمر الآخر، الذى يجب الانتباه إليه، أن أن نفهم أن الوثيقة تدعو إلى تقليص الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وتراجع الاهتمام الأمريكي، إنما ما يحدث - فى حقيقة الأمر - هو تمكين لإسرائيل فى السيطرة على الشرق الأوسط، باعتبارها وكيلا أو حليفا أمريكيا، وهو ما يؤكده ويعززه الدعم اللامحدود لتل أبيب، وبالمناسبة إسرائيل باتت تقترب من هذا السيطرة، لكن يتبقى أن يقدم لها حلفاء واشنطن من المنطقة المساعدة وهو ما يسعى إليه ترامب الآن، في ظل الاستثمار في كل صراعات الشرق الأوسط.
لذلك – اعتقاد ى – أن هذا جرس إنذار وناقوس خطر، لابد أن تتفهمه دول المنطقة في الشرق الأوسط وخاصة عربيا، وكذلك أوروبيا التي لها مصالح كبيرة في المنطقة الشرق أوسطية والأفريقية، ونموذجا أن الوثيقة نفسها تنص على عدم السماح لأي قوة معادية للمصالح الأمريكية بأن تسيطر على المنطقة، بدون الإشارة إلى أية قوة محددة.. ولأن إسرائيل حال القيام بهذا الدور المأول فلن يهما إلا مصالحها ومخططاتها وحتى ولو على حساب حلفائها في الغرب والشرق.. وهو ما يجب الانتباه إليه جيدا ..
Trending Plus