مصر فى مواجهة تغيرات المناخ.. استراتيجية متكاملة للتكيف والحماية من أخطار السيول.. تطهير 117 مخر سيل بأطوال 318 كيلومترا.. وكيف يتنبأ مركز الفيضان بالسيول؟.. وهذه طرق التمييز بين المطر الغزير والسيل المدمر
يمثل التكيف مع التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية أحد أهم الأولويات الوطنية والدولية، خاصةً فى الدول المعرضة لظواهر الطقس المتطرفة.
فى هذا السياق، وضعت وزارة الموارد المائية والرى ضمن منظومة "الرى 2.0" (الجيل الثاني)، مكرسةً جهودها لمواجهة خطر السيول التى تتعرض لها بعض المناطق فى مواسم الخريف والشتاء.
مشروعات الحماية لمواجهة خطر السيول
كشف تقرير لوزارة الرى، أنه تم تنفيذ حزمة واسعة من مشروعات الحماية لمواجهة خطر السيول، حيث تهدف هذه الإجراءات إلى تقليل الأضرار المحتملة على البنية التحتية والمناطق السكنية والحفاظ على أرواح المواطنين.
وتتوزع مشروعات الحماية من أخطار السيول جغرافيًا لتغطى النقاط الساخنة والمعرضة للخطر فى مختلف المحافظات، مستهدفةً بشكل خاص المناطق الساحلية والصحراوية التى تتميز بالتضاريس المنحدرة والأودية الجافة.
وتركز الوزارة على حماية المناطق ذات الكثافة السكانية والمنشآت الحيوية، ففى محافظة البحر الأحمر، يجرى تنفيذ عمليات حماية متكاملة لمدينة مرسى علم، بالإضافة إلى تأمين الأماكن التاريخية مثل دير الأنبا بولا ودير الأنبا أنطونيوس، فضلًا عن حماية وادى العمبجى ووادى الحواشية.
امتدت هذه الجهود لتشمل حماية بوادى أم لشطان فى مدينة مرسى مطروح، وفى شبه جزيرة سيناء، تم العمل على تأهيل وتطهير سد الروافعة بمحافظة شمال سيناء، كما شملت أعمال الحماية وادى بعبع وعدد من الأودية الأخرى بمحافظة جنوب سيناء.
أما الصعيد، فقد شهد تنفيذ مشروعات حماية شاملة فى محافظات عدة نظرًا لطبيعتها الجبلية وتضاريسها المعرضة للسيول، حيث شملت الأعمال مخرات سيول أطفيح والديسمى والمنشى والودى ووادى متين القبلى والبحرى بمحافظة الجيزة، وحماية وادى الجبو بمحافظة القاهرة، وتم بالفعل إنهاء عملية حماية عزبة الشيخ سعيد بمحافظة أسيوط.
أما فى قنا، فقد شملت الأعمال أودية الكلاحين والزنبقة وحماية مدينة القرنة الجديدة بالأقصر، بينما تضمنت الأعمال فى المنيا تأهيل مخرات سيول جبل الطير القبلى والبحرى وشارونة، وحماية أودية السوايطة والشيخ حسن، كما نفذت أعمال حماية وادى غراب وفقيرة فى بنى سويف.
إن هذا الانتشار الواسع للمشروعات يؤكد على تبنى الوزارة لنهج شامل لا يغفل أى منطقة معرضة للخطر، ويسعى للحفاظ على القيمة التاريخية والطبيعية للمنشآت الحيوية.
ولضمان أعلى درجات الاستعداد ومواجهة أى كارثة محتملة، لا تقتصر جهود الوزارة على إنشاء المنشآت الهندسية، بل تتضمن عمليات صيانة دورية حاسمة، حيث تم تطهير مخرات السيول لـ 117 مخر سيل بأطوال إجمالية بلغت 318 كيلومترًا قبل بدء موسم الأمطار الغزيرة.
هذا الإجراء ضرورى لضمان قدرة هذه المخرات على إمرار مياه السيول بدون أى عوائق، مما يقلل من خطر فيضانها على المناطق السكنية والزراعية.
وعلى الصعيد الرقابى، تتواصل المتابعة على مدار الساعة عبر غرف العمليات ومراكز الطوارئ، ويلعب مركز التنبؤ بالفيضان التابع للوزارة دورًا محوريًا فى هذه المنظومة، حيث يقوم برصد وتحليل حالة الأمطار والسيول المتوقعة، وتقديم الإنذارات المبكرة اللازمة لاتخاذ إجراءات الحماية والتدخل السريع بناءً على البيانات الدقيقة والمحدثة.
التمييز بين المطر الغزير والسيل المدمر
و تتصاعد المخاوف فى مواسم الأمطار مع ارتفاع منسوب الهطول، لكن هناك خلطًا شائعًا بين ما إذا كنا أمام مطر غزير يمكن التعامل معه، أم أمام سيل جارف ومدمر. أن الإجابة تكمن فى الفهم الدقيق للفارق بين هاتين الظاهرتين، حيث أن الأولى هى المسبب، والثانية هى نتيجة عنيفة تتوقف على عوامل التضاريس والتربة، وهذا التمييز هو حجر الزاوية فى جهود الإنذار المبكر والتخطيط للاستجابة.
متى يصبح المطر تهديدًا؟
تعرف الأمطار الغزيرة بأنها زيادة استثنائية فى كمية الهطول خلال فترة زمنية قصيرة، فى هذه المرحلة، يبقى التهديد محصورًا بالدرجة الأولى فى ارتفاع منسوب المياه فى الشوارع والمناطق المنخفضة، نتيجة لتشبع التربة وضعف استيعاب شبكات الصرف.
ووفقًا لخبراء الطقس، فإن الأمطار الغزيرة هى فى المقام الأول قياس لشدة تراكم المياه، حيث تكون القوة الأساسية للمياه هى ثقلها، وهى ظاهرة يمكن أن تحدث فى أى منطقة. خطورتها تكون تدريجية وتتيح وقتًا أطول نسبيًا للاستجابة. ومع ذلك، فإن تراكم هذه الكميات على مدى ساعات أو أيام هو ما يجهز الأرضية للتحول الأكثر عنفًا.
تحول التهديد إلى كارثة
أما التحول إلى السيول فهو الخطوة الأكثر خطورة، حيث تتوقف الكارثة على عوامل تتجاوز كمية المطر، فالسيول هى جريان المياه بعنف وقوة دمار هائلة، وغالبًا ما تحدث فى الأودية، والمناطق ذات الانحدار الشديد، أو عند تجمع المياه من مساحات واسعة وتوجيهها نحو مخرج ضيق.
هنا، يتحول التهديد من مجرد التراكم إلى الجريان السريع والقوة التدميرية، فالقوة الرئيسية للسيل هى الطاقة الحركية الهائلة، حيث يكتسب الماء سرعة وقدرة على جرف الصخور والأتربة والمركبات، تاركًا وراءه دمارًا هائلًا فى البنية التحتية.
يوضح الخبراء، أن الفرق الجوهرى يكمن فى أن السيول لا تعبر فقط عن كمية المطر، بل عن رد فعل البيئة على هذا المطر فالأراضى الصخرية والمنحدرات تساعد على تسريع الجريان بدلًا من امتصاص المياه، محولةً المطر إلى مطرقة جارفة، ويجب على المواطنين أن يدركوا أن كل سيل مصدره مطر غزير، لكن ليس كل مطر غزير يؤدى إلى سيل مدمر.
ويشدد الخبراء، على أن الفهم الدقيق لهذا التمييز هو ما يحدد الإجراءات الحاسمة ففى حالة صدور تحذيرات من سقوط الأمطار الغزيرة، يجب التركيز على تصريف المياه وتجنب المناطق المنخفضة، أما عند صدور تحذيرات من حدوث السيول، فالإجراء هو الإخلاء الفورى إلى المناطق المرتفعة وتجنب عبور مجارى الأودية والسيول مهما كانت ضحلة، لأن الماء الجارى لديه قوة هائلة لا يمكن مقاومتها حتى ولو كان منسوبه منخفضًا.
إن هذه التعليمات تعد جوهر رسائل الإنذار المبكر الصادرة عن مركز التنبؤ بالفيضان لضمان سلامة المواطنين فى مواجهة التغيرات المناخية المتزايدة.
Trending Plus