الفاتيكان على خط الأزمة.. وسط تصاعد الحرب الأوكرانية والهجمات السيبرانية وتوترات أوروبا.. البابا لاون 14 يطلق نداء السلام كوسيط أخلاقى عالمى.. ومحاولات لمنع انزلاق الصراع إلى مواجهة شاملة تهدد القارة والعالم

وسط تصاعد غير مسبوق للتوترات في أوروبا، ومع تمدد نيران الحرب الروسية الأوكرانية إلى مجالات جديدة تشمل الهجمات السيبرانية والاختراقات الجوية، عاد اسم الفاتيكان إلى واجهة الأحداث كوسيط أخلاقي ودبلوماسي محتمل، في هذا السياق، يبرز نداء البابا لاون 14 للسلام كخطوة رمزية وسياسية تهدف إلى الحد من انزلاق العالم نحو مواجهة أوسع يمكن أن تمتد إلى قلب القارة الأوروبية.

طائرات مسيرة روسية

وجاءت هذه الدعوة في وقت تتسارع فيه التطورات على الأرض وفي الفضاء السيبراني، حيث رُصدت طائرات مسيرة روسية في أجواء بولندا، ووجهت اتهامات للدولة الروسية بالوقوف وراء هجمات إلكترونية استهدفت البنى التحتية السياسية لأوروبا، بما في ذلك الانتخابات المحلية في الدنمارك، ما يعكس تحول الصراع إلى أبعاد متعددة تزيد من حدة التوترات.

خلال عظته في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، وجه البابا نداءً مؤثرًا للمجتمع الدولي، داعيًا إلى وقف الحرب فورًا ودعم كل مبادرة للحوار والسلام، مؤكدًا أن الصلاة وحدها لا تكفي بدون إرادة سياسية حقيقية، وشدد البابا على التضامن مع الضحايا الأبرياء، لا سيما الأطفال والعائلات المتضررة من القصف والدمار، محذرًا من أن استمرار الصراع قد يؤدي إلى تداعيات إنسانية وسياسية أكبر على القارة بأسرها.

تحليليًا، يُنظر إلى موقف الفاتيكان كـ محاولة لإعادة دوره التاريخي كوسيط أخلاقي في النزاعات الدولية، رغم محدودية أدواته السياسية المباشرة، فقد كشف أمين سر دولة الفاتيكان، الكاردينال بيترو بارولين، أن الفاتيكان عرض استضافة مفاوضات سلام بين موسكو وكييف، إلا أن المبادرة واجهت رفض الجانب الروسي، ما يعكس تحديات الوساطة في ظل الانقسام العميق والمصالح المتعارضة.

الفاتيكان لا يسعى فقط وساطة تقليدية

ويشير الخبراء إلى أن الفاتيكان لا يسعى فقط إلى وساطة تقليدية، بل إلى فتح نافذة للحوار وكسر الجمود الدبلوماسي في لحظة حرجة يلوح فيها خطر انزلاق الصراع إلى مواجهة شاملة قد تشمل أوروبا. وتستند هذه الخطوة إلى المكانة الروحية العالمية للكنيسة الكاثوليكية، والتي يمكن أن تلعب دورًا رمزيًا في تشجيع الأطراف على التفاوض، حتى وإن كانت تأثيراتها السياسية المباشرة محدودة.

وفي ظل تصاعد الهجمات السيبرانية وتهديدات الطائرات المسيرة، تزداد المخاطر على البنية التحتية الأوروبية والاقتصادات الوطنية، ما يزيد من أهمية وجود قنوات دبلوماسية بديلة. ويدعو الخبراء إلى الاستفادة من كل وسيلة ممكنة للحد من التصعيد، بما في ذلك **الدعوات الروحية والرمزية** التي يحملها الفاتيكان، والتي قد تشكل ضغطًا أخلاقيًا على الدول المعنية.

إرث وساطة البابا فرانسيس

وليس هذا أول مرة يحاول الفاتيكان لعب دور الوسيط في النزاعات الدولية، فقد سبق للبابا فرانسيس ، أن أطلق عدة مبادرات دبلوماسية خلال سنوات حكمه، ركز فيها على التهدئة بين الأطراف المتصارعة في مناطق النزاع حول العالم. وشملت هذه المحاولات التوسط في النزاع بين الولايات المتحدة وكوبا، والدعوة إلى وقف إطلاق النار في سوريا واليمن، بالإضافة إلى تسهيل لقاءات غير رسمية بين قادة سياسيين وأطراف صراع متعددة.

وكانت هذه الخطوات تهدف إلى خلق مساحات للحوار وفتح قنوات غير رسمية في أوقات الجمود الدبلوماسي، مستفيدة من المكانة الروحية والرمزية للفاتيكان. ويشير محللون إلى أن هذه التجارب أعطت الفاتيكان خبرة كبيرة في فهم ديناميكيات الصراع وإمكانية التأثير الأخلاقي على صانعي القرار، ما يجعل مبادرة البابا ليون لاون 14 امتدادًا طبيعيًا لإرث الوساطة البابوية، مع التركيز على النزاع الروسي – الأوكراني وتهديداته المباشرة لأمن واستقرار أوروبا.

ووفقا للخبراء فإن السؤال مفتوحًا، هل يمكن لصوت الفاتيكان، بما يحمله من رمزية أخلاقية وروحية عالمية، أن يوقف مسار الحرب قبل أن تتحول إلى صدام دولي شامل؟ وبينما العالم يترقب تحركًا سياسيًا حاسمًا، تظل المبادرة البابوية محاولة للحد من التصعيد، وإرسال رسالة مفادها أن السلام ممكن إذا توفرت الإرادة الحقيقية، وإن أي تأجيل قد يكون ثمنه فادحًا على أوروبا والعالم بأسره.