المتطوعون بمجالس الكنائس نموذج للخدمة بلا مقابل.. الكنيسة القبطية ترسخ ثقافة العطاء والمسئولية الجماعية بلائحة منظمة للعمل.. وتؤكد: امتداد لعمل الشمامسة السبعة وتكليف لخدمة بيت الله يُمنح لمن أثبت أمانته

الكنيسة
الكنيسة
كتب: محمد الأحمدى

فى عالمٍ تتصارع فيه المصالح وتتعقد الحسابات، تظل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم نموذجًا فريدًا من نوعه في الخدمة المجانية والعمل التطوعي. فبين جدرانها العتيقة وقلوب خدامها، تتجسد روح "العطاء بلا أجر"، حيث يعمل المئات من أبناء الكنيسة في مجالسها المختلفة دون مقابل مادي، مدفوعين برغبة خالصة في خدمة الله والإنسان.

وهذه الصورة المضيئة لم تأتِ عفوية، بل صاغتها الكنيسة بلائحة رسمية أقرها المجمع المقدس عام 2013 تحت مسمى «لائحة مجالس الكنائس»، وهي أول وثيقة تنظيمية تؤطر مفهوم الخدمة الجماعية والمشاركة الشعبية داخل الكنيسة، اللائحة أعادت تنظيم العلاقة بين الكهنة والعلمانيين، وجعلت من الخدمة عملًا مؤسسيًا قائمًا على المسؤولية المشتركة والشفافية، دون أن تمس روح البذل والإيمان.

 

من الشمامسة إلى الخدام المعاصرين

وتُرجع اللائحة فكرة مجالس الكنائس إلى أصولها الرسولية، إذ تؤكد أن المجلس هو «امتداد لعمل الشمامسة السبعة في الكنيسة الأولى» الذين اختارهم الرسل في سفر أعمال الرسل ليخدموا الموائد ويفسحوا المجال أمام الكهنة لخدمة الكلمة والصلاة.
وبهذه الفلسفة الروحية، لا يُنظر إلى المجلس كهيئة إدارية جامدة، بل كامتداد لخدمة قديمة الجذور، قوامها الإيمان والاتضاع والعمل الجماعى.

وتوضح مقدمة اللائحة أن الكنيسة هي "جسد واحد" يضم الإكليروس والشعب، ولا مقام لأحدٍ دون الآخر، فالجميع شركاء في بناء الكنيسة "كلٌّ حسب موهبته ودوره". وهو ما يؤكد أن العمل التطوعي داخل الكنيسة ليس تفضّلًا من أحد، بل واجبًا روحيًا ومسؤولية مشتركة بين أبنائها.

 

خدمة تطوعية بلا مقابل

تنص المادة (13) من اللائحة بوضوح على أنه:

"لا يجوز أن يكون عضو مجلس الكنيسة من بين العاملين بالكنيسة أو أن يتقاضى أجرًا عن عمله."

بهذا النص الحاسم، تضع الكنيسة أساس الخدمة المجانية، فعضوية المجلس ليست وظيفة أو مصدر دخل، بل تكليف لخدمة بيت الله، يُمنح لمن أثبت أمانته واستعداده للعطاء.
كما تحدد المادة (12) سمات من يُرشح لعضوية المجلس، في مقدمتها "الاستعداد لتقديم تضحيات بالوقت والجهد والعطاء بروح البذل"، و"أن يكون مشهودًا له بالحكمة والاتضاع".

أى أن الخدمة الكنسية – كما تصفها اللائحة – تقوم على التضحية لا التربح، وعلى الإيمان لا الامتياز، وهي قاعدة أخلاقية تضمن نزاهة القرارات واستقلالية العمل عن أي مصالح شخصية.

 

القيادة الجماعية.. روح المشاركة

لم تكتفِ الكنيسة بوضع الضوابط، بل أرست من خلال اللائحة فلسفة جديدة تُعرف باسم "القيادة الجماعية".
ففي نموذج الهيكل التنظيمي لمجلس الكنيسة (ص 21 من اللائحة)، توضح أن العمل يتم وفق مبادئ واضحة: جماعية اتخاذ القرار والمشاركة وتوزيع المسؤوليات، وتنمية الطاقات والمواهب، وكذلك إعداد قادة جدد وصف ثانٍ للخدمة.


وبهذه الرؤية، يصبح المجلس صورة مصغرة للمجتمع الكنسي المتكامل: كهنة يوجّهون، وعلمانيون يخططون، وشباب ونساء يشاركون، وكلهم يسهمون في تطوير الخدمة بروح واحدة. إنها خدمة إدارية بوجه إنساني، تُدار بقانون ولكنها تُنبت من التزام روحي عميق.

 

من العمل إلى الرسالة

ورغم أن المجلس يُعنى بمهام إدارية ومالية، فإن اللائحة حرصت على أن يبقى العمل في جوهره خدمة روحية. فهي تصف الأعضاء بأنهم "مشهود لهم، يعملون بروح الفريق الواحد، من أجل مجد المسيح وخلاص النفوس".


ولذلك، يتعامل أعضاء المجلس مع مهامهم كرسالة لا كوظيفة؛ يقضون ساعات طويلة في متابعة المشاريع الهندسية، أو تنظيم أنشطة اجتماعية، أو مراجعة الميزانيات، دون أن ينتظروا جزاءً من أحد سوى البركة.

وفى بعض الكنائس، تجد مهندسًا يدير لجنة هندسية مجانًا، أو محاسبًا يراجع حسابات الكنيسة دون مقابل، أو طبيبًا ينسق خدمة علاجية للفقراء. هؤلاء جميعًا ينتمون إلى فكرة واحدة: أن الخدمة في الكنيسة عطية تُقدَّم، لا مكسب يُحصَد.

 

ثقافة جديدة فى الكنيسة المصرية

وبهذه اللائحة، نقلت الكنيسة القبطية الخدمة من إطار الاجتهاد الفردي إلى ثقافة مؤسسية قائمة على الشفافية والمحاسبة، لكنها في الوقت نفسه حافظت على بعدها الروحي والإنساني.


فالكنيسة لا تفرض أجرًا ولا مكافأة، بل تُكافئ الخادم بالمحبة والثقة والتقدير.
ومن خلال هذه المجالس، صارت الخدمة مساحة للشركة بين رجال الدين وأبناء الشعب، وميدانًا لتجسيد القيم الإنجيلية في العطاء والمسؤولية.
هكذا تبدو الكنيسة القبطية وهي تُعيد تعريف الخدمة في زمنٍ باتت فيه الماديات تسيطر على تفاصيل الحياة.
فمن خلال لوائحها وقوانينها، تبني الكنيسة نموذجًا روحيًا للشفافية والمشاركة، وتُثبت أن العطاء الصادق لا يحتاج إلى راتب، بل إلى قلبٍ ممتلئ بالإيمان "إنهم حقًا خدام بلا أجر.. لكن بأجرٍ في السماء".
 

 

 

أعضاء المجلس
أعضاء المجلس

 

عضوية مجلس الكنيسة المادة 13 فى اللائحة
عضوية مجلس الكنيسة المادة 13 فى اللائحة

 

مبدأ القبادة الجماعية
مبدأ القيادة الجماعية

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محمود صابر يحقق إنجازا خاصا مع منتخب مصر فى ودية نيجيريا

خطوات الاستعلام عن بيانات التأمينات الاجتماعية أونلاين.. تفاصيل

منتخب مصر يتعادل مع نيجيريا 1 - 1 فى الشوط الأول استعدادا لأمم أفريقيا.. صور

نظر قضية المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات بينهما يناير المقبل

التأمين الصحى الشامل.. خطوات الاشتراك ومزايا الرعاية الطبية المتكاملة للأسرة


محامى عروس المنوفية: المتهم أقر فى التحقيقات بتعديه على زوجته حتى الموت

إقبال كبير على الأتوبيس الترددى بعد عزل حارته بالطريق الدائرى.. صور

رحلة محمد صلاح مع جائزة THE BEST.. أسطورة مصرية على الساحة العالمية

الحكومة توضح حقيقة فيديو وجود عيوب هندسية بكوبرى 45 الدولى بالإسكندرية

الطقس غدا.. أجواء باردة وانخفاض بالحرارة وأمطار والصغرى بالقاهرة 12 درجة


تعرف على رسالة حمزة عبد الكريم إلى الأهلى بسبب عرض برشلونة

موعد مباراة منتخب مصر ونيجيريا فى التجربة الأخيرة قبل أمم أفريقيا

الإعدام لسيدة وعشيقها بالمنوفية بعد قتلهما الزوج بحيلة شيطانية

التأمينات الاجتماعية تحدد موعد صرف معاشات يناير 2026.. اعرف اقرب منفذ ليك

ترامب يعلن خطوبة نجله جونيور.. ونيويورك تايمز: الثالثة.. فيديو

وزارة الصحة توجه للمواطنين رسائل هامة لمنع عدوى الأنفلونزا.. صور

بلاغ ضد نادية الجندى بتهمة القذف والتشهير بفريال يوسف

حادث قطار طوخ.. 10 مشاهد من سقوط حاويات البضائع بمنطقة السفاينة

أحمد السقا: أصحابى دعمونى أمس والنهاردة قالوا عليا عندى إيجو

التضامن تفتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية موسم 1447هـ - 2026م

لا يفوتك


2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش

2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 04:37 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى