عن خيارات أسوأها تجزئة الاتفاق.. واجب فصائل غزة بين خطة ترامب وأحابيل نتنياهو
غزة على مفترق طرق، وتتنازعها خرائط وتصورات شتّى، ليس فيها ما يعصم البلاد والعباد من مصير مجهول؛ إلا ما تتمسك به الحاضنة العربية بشأن الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية فى خطة ترامب. وبالكيفية التى صيغت بها منذ البداية، وجرى التوافق عليها فى اتفاق شرم الشيخ.
أى أن تتخلص من الاحتلال ورواسب الحالة الفصائلية دفعة واحدة، ومن دون ترك أى ثغرة ينفذ منها كل طرف إلى خيارات الآخر، فيُعيد هندستها أو التلاعب بها بما يخدم أهدافه الخاصة، لا سيما أن الكفة مائلة أصلا لصالح إسرائيل، ويجب أن تنصرف الجهود كلها إلى ضمان الاعتدال، وليس الاستثمار فى مزيد من الانحراف.
تمر مفاوضات إنهاء الحرب بلحظة حرجة، على ما قال رئيس الوزراء القطرى فى إحدى جلسات منتدى الدوحة أمس. الوسطاء يعملون معا لدخول الجولة التالية فى مسار التهدئة، ولن يكون وقف إطلاق النار مكتملا ومثمرا دون تحقيق الانسحاب الكامل من القطاع؛ كشرط أصيل للاستقرار مرحليا، ثم الذهاب إلى برنامج شامل للتعافى وإعادة الإعمار، بعيدا من أهواء نتنياهو الساعية إلى تجميد الخطوط على حالها الراهنة، أو مؤازرة حماس له من دون قصد، وبافتراض أن لديها ما تفاوض عليه، أو يضمن لها تغيير التوازنات الحالية بعد سنتين من الاختلال الكامل.
قُتل العميل ياسر أبو شباب وراء الخط الأصفر، وما يزال عشرات من عناصر القسام محبوسين هناك. جددت الأمم المتحدة ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» لثلاث سنوات بأغلبية 151 دولة، مقابل إنهاء عمل «مؤسسة غزة الإنسانية» بعد أكثر من سنة لم تحقق فيها أيا من أهدافها.
بدا أن الجيش المدجج بالسلاح لا يستطيع حسم الصراع مهما تمادى فى القتل، كما لا طاقة للفصائل على خوض اشتباك أبدى، يأكل من هامش الحياة وفرص البقاء، بأكثر مما يلوث سمعة العدو أو يذكره بسلسلة إخفاقاته المتوالية منذ فاتحة الطوفان إلى اليوم. ولا يُستخلص من كل هذا الارتباك؛ إلا أنه لا سبيل للخروج من المتاهة بغير تقديم تنازلات من الجانبين، شريطة اقتناعهما بأن ما وراء التسوية أهون عليهما معا مما يخبئه الجمود أو التصعيد.
تحصّن نتنياهو طويلا وراء جدار الحرب، ولم يُسلّم بالتهدئة إلا عن اضطرار ومواءمات ظرفية، كان معلوما بالبديهة أنه لن يتوقف عن اللعب فيها ومحاولة تغييرها. وقد سبق له التوقيع على هدنة سابقة فى يناير الماضى، تكشّف لاحقا أنها كانت مشمولة بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة على العودة للقتال مجددا، ليستمر فيه من مارس حتى إجباره على النسخة الجديدة بعد سبعة أشهر تقريبا.
وبمنطق المُشاكَلة والمُواضعات الخفيّة فى الكواليس؛ فلعلّه اقتيد إلى خطة ترامب مشدودا من رقبته ابتداء، وموعودا بإخلاء سبيله وإطلاق يديه فى الختام. أى أن ما يُناكف فيه اليوم ليس من بنات أفكاره حصرا، ولا طارئا على الجانب غير المُعلن من قائمة المسموحات التى أُغرى بها لينزل ظاهريا عن الشجرة، ويمنح نصرا معنويا يصح تسويقه لصالح سيد البيت الأبيض، كرجل صفقات وصانع سلام مقتدر.
غير أن الخديعة كانت أكبر من الانتقاء فى الإعلان والإضمار، وامتدت إلى إرخاء حبل الفصائل وتسكين هواجس قادتها بالوهم والاحتيال. ونذكر جميعا كيف أن ترامب صمت على تجاوزات عناصر الجهاز الأمنى لحماس بحق المدنيين فى القطاع، بل رحب استباقيًّا بأن تضطلع بقايا الحركة بأدوار نظامية مباشرة تحت ظل السلاح، من منطلق الحاجة البراجماتية إلى تنظيم البيئة الغزية وتأهيلها لمرحلة الاستقرار الموعودة.
ما يبدو أنّه قُرِئَ على الجانب الآخر باعتباره اعترافا ضمنيا بالحضور فى ترتيبات اليوم التالى، وعزز الطموحات الحماسية فى انتزاع موطئ قدم من المشهد الجديد، بعدما كانت أقرب إلى التسليم نظريا بحاجتها للبحث عن خروج آمن، وإعادة إنتاج نفسها فى صيغة مبتكرة ومغايرة تماما لما كانت عليه فى الماضى.
قبل يومين تقريبا، كان قائد حماس بالخارج يخطب فى جمع من الناس بأحد المؤتمرات فى اسطنبول. أفاض خالد مشعل فى الحديث عما يعرفه الجميع، وعن قسوة الحرب التى توقفت، إزاء صورة أقسى منها تتجلى فى الحصار والتجويع وإغلاق المعابر.
وفضلا على بلاغته العاطفية فى انتقاد بلطجة إسرائيل ومساعيها لتعميم أجندتها على المنطقة؛ فإنه حافظ على لغته الخشنة فى رفض كل أشكال الوصاية على القطاع، من دون تقديم رؤية عملية للإفلات من قبضة الأوصياء أو تعزيز جهود الوسطاء الساعين لانتشال غزة مما يُراد لها.
ويُشكَر الرجل على كرمه فى الحديث عن أنه لا انتصار من دون وحدة وشراكة حقيقية؛ وإن ساق ذلك على شكل الدعوة للجميع أن يلتحقوا بقارب الحركة الغارق، خاصة عندما صاغ رسالته بصيغة الأمر، قائلا إنه يجب حماية مشروع المقاومة وسلاحها؛ كما لو أنه لا يمكن أن يكون الفعل المقاوم سياسيا، ولا أن يكون خارج الأيديولوجيا، وتحديدا تلك المعبّأة بنكهة أصولية وراية فصائلية خضراء.
شىء شبيه لهذا يحدث على الجبهة الشمالية. فالشيخ نعيم قاسم يخرج خطيبا فى الناس باسم الحزب والمقاومة، لا ليعترف بأخطاء الماضى القريب أو يتواضع مع الدولة على هامش التصويب المتاح؛ إنما ليُواكب ما تذهب إليه بيروت اضطرارا، ثم يُزايد عليه من منطلق الرقيب المحايد؛ كأنه لم يكن صاحب رصاصة الإسناد والمشاغلة، ولا السبب المباشر وراء الاحتلال الرابض وراء خط الليطانى حاليا.
وآخر استهجان له وقع على قرار الرئاسات الثلاث، ومنها شريكه وأخوه الأكبر نبيه برى، بشأن توسعة طاولة التفاوض مع الإسرائيليين عبر إضافة عنصر مدنى، وتعيين المحامى والسفير السابق سيمون كرم ممثلا للبنان فى لجنة الميكانيزم بشكلها الجديد، معتبرا الخطوة بمثابة سقطة من السلطة الشرعية، وأنها تنطوى على تنازل مجانى للمحتلين الصهاينة.
يُخرِجُ الحزبُ نفسَه من الأزمة؛ ثم يقضى فى مساعى الانعتاق من أثقالها كأنه يمثل لغة الضمير والثوابت الوطنية العليا. ومن الطبيعى فى سياق كهذا؛ ألا يقدم تفسيرا لإقدامه على المواجهة دون جاهزية أو تنسيق مع الدولة، ولا لماذا ارتضى بالشروط التى يراها ظالمة فى اتفاق وقف الأعمال العدائية قبل سنة وعدة أيام.
يقفز على عشرين عاما تقريبا تجاهل فيها تطبيق القرار الأممى رقم 1701، ثم يختزله اليوم فى الجنوب دون بقية الجغرافيا اللبنانية شمالا وبقاعا، وفى دخيلة نفسه ألا يوقع اليوم أو غدا على أى التزام بشأن حصرية السلاح، وإخلاء سبيل الدولة من ارتهانها الجبرى لمنطق الدويلة، وما هو أشد فداحة منه فى ذاته، وتحديدا ما يخص الاحتكام إلى إرادة خارجية لا تتحدد بمصالح لبنان واللبنانيين، بل لا تأخذها بعين الاعتبار من الأساس.
جاء اتفاق الحزب مع الاحتلال فى ثلاثة عشر بندا، وينص فى فقرته الرابعة على أن الالتزامات المنصوص عليها لا تقيد أيا من الطرفين عن ممارسة حقهما الطبيعى فى الدفاع عن النفس.
وإزاء الهزيمة التى ألجأت الميليشيا إلى قبول صفقة منحازة وظالمة، وما أُعلن وقتها عن الورقة الجانبية التى تكفل فيها واشنطن لحليفتها حق الرقابة الجوية والبرية المطلقة، والتعامل بكل الوسائل مع أية خروقات محتملة؛ كان معلوما أن التطبيق سيميل تماما لجانب على حساب الآخر، وأن ضمان فاعليته لصالح الضعيف تقتضى ألا يتحلل دعائيا من ستار الضعف والمظلمة، وألا يقف عقبة فى طريق الدولة إن تختصم غريمها من مراكز متكافئة.
وما حدث أن لغة التناطح داخليا ظلت على حالها، وتعاظمت فى كثير من المواقف الخطابية والاستعراضية، وأفرط الحزبيون فى الحديث عن ترميم قواهم واستعادة عافيتهم، وإعادة وصل خطوط الإمداد وتسكين المواقع القيادية الخالية. ما كان سببا فى تصعيد لغة النار، وفى ضغوط سياسية واقتصادية من الوفود الأمريكية، وأخيرا استعادة أجواء الحرب فى أعلى ذراها، كما فى اغتيال هيثم الطبطبائى فى حارة حريك، قلب الضاحية الجنوبية لبيروت وأهم معاقل الحزب وعُقد قيادته السياسية والعسكرية.
ما كان من ليونة فى نوفمبر 2024 تحول إلى التشدد اليوم. كأن طرفا بعيدا انتشل الحزب من حال الموضوعية إلى الاحتدام الأيديولوجى مجددا. وليس بعيدا ما تواتر من رسائل رأس الممانعة طوال الشهور الماضية، والزيارات والتصريحات التى عكرت المياه بين بيروت وطهران، وتولّدت عنها بيانات غاضبة من الخارجية اللبنانية، ولقاءات ومواقف خشنة ترددت على لسان الرئيس جوزيف عون. وصولا إلى المجاهرة الصريحة مؤخرا من جانب مستشار المرشد الأعلى فى إيران، على أكبر ولايتى، بزعمه أن سلاح الحزب «أكثر ضرورة للبنان من الخبز والماء».
بهذا المنطق؛ يتسبب السلاح فى الكارثة، ثم يؤسس شرعيته الجديدة على ما جنته يداه بإرادة فردية خالصة. وهذا الفخ أول ما يجب أن يتوخى الحماسيون الحذر قبل أن يدوسوه بخفة واستسهال؛ ذلك أن القوة فى أعلى تصوراتها أنتجت النكبة الماثلة للعيان، ولا يمكن الخروج من المستنقع بالطريقة التى أفضت إليه.
أمَّا أحاديث الكرامة والبطولة والحق فى المقاومة؛ فإنها تتحدد حصرا بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وضمان الحد الذى تبقى معه القضية قادرة على الحياة، ليكون بمقدورها استئناف النضال لاحقا من أفضل نقطة ممكنة، وبحسب التوازنات والإمكانيات المتاحة.
أى أنَّ شرف الفصائل فى غزة يتحدد بمقدار ما تقبل النزول عنه لصالح فلسطين، لا ما تتمسك به من فوق رؤوس المنكوبين؛ ليتخطفه الصهاينة من أياديهم مُفتتحين جولة جديدة من التعلّل واختلاق الذرائع.
لقد فاجأ ترامب الجميع أواخر الأسبوع الماضى، قائلا إنه جارٍ تعديل المرحلة الثانية من اتفاق غزة. يسعى الرجل إلى تنشيط خطته قبل موسم عيد الميلاد، وغالب الظن أن التعديل الذى يقصده يخص البند رقم 17 من جملة بنوده العشرين.
لقد استرعتنى صياغتها منذ البداية، وكتبت عنها مرات عدة فى السابق. وخلاصة معناها أن التصور بكامله عرضة للتعديل والاجتزاء، حال لم ترضخ حماس للترتيبات المتفق عليها، وأبقت على سلاحها وطبيعة سيطرتها القائمة فى الشطر الغربى من القطاع. وقتها، وبحسب النص المشار إليه، تُجَمّد الأوضاع فى مناطقها على حالها، وتمضى العملية وفق التتابع الخطى المقرر فى الجانب الخاضع لسلطة الاحتلال شرق الخط الأصفر.
حملت الأسابيع الماضية كلاما كثيرا عن هذا البديل. يسميه الأمريكيون «غزة الجديدة»، ما يُشير إلى أخرى قديمة ستُخرَج من الحسابات ولن يُنظَر لها بعد ذلك. والإسرائيليون يمنحونها مسمى «غزة الخضراء»، وتقابلها نسخة حمراء تستوفى معنى التسمية من سيطرة الفصائل بسلاحها.
أمّا آلية العمل فتشتمل على إدخال قوة الاستقرار الدولية إلى الجزء لا الكل، مع بدء عملية إعمار مُعقمة فى رفح، بإنشاء مجمعات سكنية محدودة يتسع كل منها لنحو 25 ألفا، ويكون الدخول إليها بعد فحص أمنى دون إمكانية للخروج، على أن تتسع التجربة بالتدريج، وتنتقل إلى خان يونس وغزة شمالا حال نجاحها واستدامتها فى الجنوب.
تصدّت مصر للطرح الاحتيالى مبكرا، وقال وزير الخارجية بدر عبد العاطى إنه لا مجال لقبول فصل غزة عن الضفة الغربية، أو تقسيم القطاع بما يمس وحدته الجغرافية والديموغرافية، ويتضاد مع خطة الرئيس ترامب وفق البنود المتفق عليها.
ولعل الموقف الصارم كان وراء تشغيب تل أبيب وحديثها عن فتح معبر رفح فى اتجاه واحد، وبغرض إخراج الغزيين دون حقهم فى العودة أو دخول الموجودين بالخارج حاليا.
وهو ما ردت عليه القاهرة بوضوح أيضا، والتحقت بها بقية العواصم أطراف الوساطة وشركاء الاجتماع مع ترامب على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى، عبر بيان مشترك للدول الثمانية رفضا لمحاولات التهجير، وتشديدا على ضرورة الالتزام بخطة السلام بكل بنودها، وأهمها عدم الإجبار على المغادرة، وضمان حرية حركة السكان دون تقييد، مع تهيئة ظروف البقاء ضمن رؤية متكاملة للإعمار والاستقرار وتحسين الأوضاع الإنسانية.
والحال؛ أن إمضاء الاتفاق تكتنفه محاولات احتيال إسرائيلية كانت متوقعة بطبيعة الحال، وتقابله صلابة من مصر وبقية الحاضنة العربية وأغلبية الوسطاء.
ليس غريبا أن تكون واشنطن ميّالة لتل أبيب؛ لكن موازنة المشهد من جهة الفلسطينيين توجب الالتحاق بركب المدافعين عن المرحلة الانتقالية بشكلها الأصلى.
وذلك؛ سواء بالتوافق الوطنى على الإدارة المؤقتة من دون أيديولوجيا أو ألوان فصائلية، أو باقتناع حماس بأن السلاح لم يعد فارقا فى المعادلة المختلة مع الاحتلال، بل صار عبئا على القطاع فى القائم العاجل، وعلى القضية كلها فى الآجل والمُحتَمل، وما يُراد توجيهه بالتهرب من الالتزامات على جبهة الاحتلال، وانسداد الأفق وغياب البدائل العقلانية لدى الفصائل.
عندما وافق الحزب على اتفاق العام الماضى، كان يعرف يقينًا أنه يُغطى جغرافيا لبنان بكامله، لا جنوبه فقط، وأنه مُقدّمة لإعادة تنظيم حضوره فى المشهد، أو استمرار مُطاردته على هدف التحييد أو الإفناء.
وسواء قرأ الحماسيون الخطة بكاملها أو اجتزأوا منها ما يوافق هواهم؛ فقد كان واضحًا منذ البداية أنهم إزاء خيار من اثنين: الإقرار بالهزيمة مع مُقتضياتها الميدانية والعملانية، أو اقتفاء وهم النصر إلى تجرُّع مستوى أكثر مرارة وانكسارًا من سابقه. والمُفاضلة اليوم لدى الطرفين بين السيئ والأسوأ تنظيميا، وهامش الأمل مع احتمالات الانتكاس وطنيًّا.
ربما تكون الاحتمالات شمالاً بين التهدئة والتصعيد؛ لكنها فى الجنوب تتّسع لخيار ثالث. تفعيل الحل الشامل بموجب البنود المقررة كما يُريد الوسطاء، أو جزئيًّا كما يُريد الاحتلال، وأخيرًا إفساد الصفقة والعودة للحرب كما يُحبّ نتنياهو. اثنان لصالح العدو، وواحد فقط لفلسطين، ولا شىء من الثلاثة يخدم حماس.
والعبء بقدر ما هو على الحركة؛ فإنه واقع على مُناصرى القضية أيضًا. كان البند 17 واضحًا عندما وقّع عليه وفد حماس، فإما أن يُلقوا أسلحتهم أو يمضى القطار من غيرهم.
حتى الآن لا أحد يقبل المشاركة فى قوّات تعمل وراء خط الاحتلال؛ لكنه خيار نابع من الخطة وليس طارئا عليها. وإذا لم تنحلّ العُقدة سريعًا؛ سيكون على الوسطاء الاختيار بين المُشاركة فى المسار البديل بسوءاته، أو احتمال سوءات الخيار الحماسىّ، ولا هامش بين السوأتين؛ إلا أن تقتنع حماس بإعتاق رقبة القطاع، وإلقاء كُرة النار على الاحتلال، بدلاً من الاحتفاظ بها وإحراق ما تبقّى بما لم يعُد مُمكنًا.
حتى الآن لم يُتَّفَق على طبيعة قوة الاستقرار ومهامها، وهل تكون تنفيذية أم لحفظ السلام. كثير من التفاصيل ستُحدّد طابع الانتقال فى الأسابيع المُقبلة. ويُمكن أن تكون الضغوط الإقليمية ناجعة فيما يخص التصويب وضبط المسار؛ إنما على أن تنطلق من ثابتٍ واضح فى غزّة، فلا تكون عُرضة للشد والجذب من الناحيتين.
بنص الخطّة، يُفترض مع الانتقال من المرحلة الأولى للثانية، أن ينسحب الاحتلال من الخط الأصفر إلى الأحمر. وأن تنتشر قوة الاستقرار على كامل القطاع، وترعى الأمن وجهود التعافى وإعادة الإعمار.
وإذا كان الطرف الآخر يُريد وضعها فى مصادمة مع الفصائل؛ فعلى الأخيرة أن تُخرج نفسها من الهامش الضيّق. بقاؤها بالصورة القديمة يُهدد بالاجتزاء أو تفجير المسار، وبتعطيل سياق التدويل أو الوقوع فى مصادمة معه، وكلها ليست فى صالح الضحايا، كما أن بقاؤهم فى مواجهة الجناة ليس فى صالحهم أيضًا.
عندما يطير نتنياهو إلى واشنطن قريبًا؛ ستكون غزّة بين موضوعات البحث. ربما ليست الأولى، وتتقدم عليها ترتيبات سوريا مع حكومة تحظى بقبول أمريكى، وتعقيدات المشهد اللبنانى الذى قد يكون تقدمة ترامب لحليفه مقابل جبهتى الشام والقطاع.
لكنّ سيد البيت الأبيض لن يُجبر ضبع الليكود على شىء؛ ما لم يستشعر خطورة المُجاراة، أو يُغازَل بإنفاذ خطّته بأصل بنودها دون مُنغّصات. كان الطوفان خطيئة كُبرى، ويجب التوقف عن التمادى فيها.
قَطعُ الطريق على نتنياهو يبدأ بوَصْل جناحَى غزة ببعضهما؛ مهما كانت التكاليف والأثمان المطلوبة. احتمال المراوغة قائم فى الحالين؛ لكنه أعلى مع التصلُّب الأصولى. سقط السلاح فى امتحان الحرب، وينبغى عليه ألا يُسقِطَ بيئتَه فى وحل الفوضى، أو يُعَثِّرَ خُطاها على طريق البحث عن الأمل.
Trending Plus