محمد صلاح .. عندما تقسو الكرة على الأساطير
هناك شيء يحدث مع نجمنا العالمي محمد صلاح في ليفربول الآن، شيء لا يمكن تفسيره بالعقل أو بالأرقام أو بتاريخ الكرة، شيء أشبه بالخيانة الهادئة… تلك التي تأتيك من البيت الذي بنيته بنفسك، من النادي الذي صنعت له مجدًا لم يحلم به منذ عقود، من المدرجات التي كانت تهتف باسمك قبل أن تتحول فجأة إلى صمت بارد كطقس إنجلترا.
كرة القدم تمتلك سحرًا فريدًا، سحر يسحب الروح إلى عالم آخر، عالم تصنع فيه الانتصارات فرحًا خالصًا وتسجل فيه اللحظات التاريخية في ذاكرة الجماهير إلى الأبد، خصوصًا عندما تتابع لاعبًا بموهبة استثنائية يزرع السعادة بلمساته، بتمريراته، وبأهدافه، لكنها في الوقت نفسه قاسية بلا رحمة، خصوصًا حين تأتي الخسارة رغم الإخلاص والعرق والرجولة، وهذا تمامًا ما ينطبق على حالة محمد صلاح.
تصريحات صلاح الأخيرة لصحيفة "ميرور" حملت نبرة حزينة واضحة، نبرة تختصر قسوة كرة القدم كما لم نشهدها من قبل، لا سيما عندما يأتي الغدر من النادي الذي قدمت له وفاءً حقيقيًا ومنحتهم السعادة.
محمد صلاح ليس مجرد لاعب محترف، بالنسبة للملايين، هو أسطورة حقيقية، أيقونة حفرت اسمها في الذاكرة بفضل مسيرة مليئة بالإنجازات والإبداع، حيث يكفي أن تُذكر اسمه ليفهم الجميع مكانته، لأنه من اللاعبين الذين يصنعون أثرًا أكبر من الأرقام، ويتركون بصمة أعمق من البطولات.
محمد صلاح أصبح واحدًا من أبرز أساطير اللعبة في عصره، بجوار ميسي ورونالدو، بفضل موهبته الفذة، إخلاصه الشديد، وشخصيته المتزنة التي لم تتغير رغم الأضواء والنجومية.
رحلة صعود صلاح لم تكن سهلة، فقد جاء من قرية بسيطة في مصر، بدأ من القاع، وواجه تحديات لا تُحصى حتى وصل للقمة.. ركز دائمًا على اللعب، على تطوير نفسه، على الإخلاص للقميص، وعلى احترام الجماهير، ومن الطبيعي أن يرفض أن يكون مجرد موظف بلا عمل، فشخصيته مبنية على القتال، على البحث عن ذاته، وعلى العناد الإيجابي الذي يصنع من اللاعب أسطورة، وضحى سنوات من عمره ليبني اسمه في أكبر دوري بالعالم، ليصبح رمزًا للنجاح المصري والعربي في الملاعب الأوروبية.
لكن ما يحدث الآن داخل ليفربول لا يليق بتاريخ ما قدمه الملك المصري، فهي ليست أزمة رياضية عابرة، بل حالة تكشف الوجه القاسي لبعض الأندية الإنجليزية التي لا تعرف معنى الوفاء.
محمد صلاح، الذي رفع اسم ليفربول عاليًا وكتب جزءًا كبيرًا من تاريخ النادي الحديث، وجد نفسه فجأة على مقاعد البدلاء دون تفسير، وكأن كل ما قدمه للنادي أصبح غير مرئي، وكأن العطاء الكبير يُمحى بقرار فني بارد.
الأمر الأكثر صدمة هو تعامل أرني سلوت، المدرب الذي يُفترض أن يُقدر قيمة اللاعب الذي بين يديه. بدلاً من ذلك، تبدو قراراته متخبطة، وتترك علامات استفهام كبيرة: كيف يُمكن أن يُهمش لاعبًا صنع تاريخ النادي بهذه البساطة؟ كيف يُمكن أن يتجاهل قائدًا حمل الفريق في أصعب اللحظات، وأصبح جزءًا من هوية ليفربول أمام العالم؟
محمد صلاح ليس مجرد نجم، ولا لاعب يجلس على الدكة لمجرد تغييرات مؤقتة، هو رمز كبير، قدوة لجيل كامل، مثال للإصرار والاحتراف، وحتى في أقسى اللحظات، ظل يحترم زملاءه، يساند فريقه، ويعكس حبه الحقيقي للنادي. الجماهير الحقيقية في ليفربول تعرف قيمته وظلت تتغني كثيراً باسمه ويكفيه فخراً أنها ظلت تهتف له في المدرجات خلال المباريات الأخيرة رغم وجوده على الدكة في رسالة غضب واضحة ضد سلوت، كما أن الجمهور العربي يشعر بالفخر، لكن أيضًا بالمرارة، لأنه يرى أن الرجل يستحق أكثر بكثير مما يحصل عليه اليوم.
الكرة الإنجليزية أحيانًا بلا قلب، هذا صحيح، ثقافة قاسية تجعل اللاعب العظيم يُقدّر فقط حين يسجل، أما الأمس فلا قيمة له، لا يعرفون معنى "رمز"، ولا يفهمون ارتباط الجماهير بلاعب قدم أكثر مما يُطلب منه، ولا يجب أن نلتفت نهائيا إلى جمهور السوشيال ميديا الجديد، المعروف بـ"Yellot"، الذي يركز فقط على اللقطة وكسب اللايكات وينسى مئات اللحظات العظيمة، فهم يعتمدوا تزييف الحقائق، ويتناسوا ذكريات موسم الـ44 هدفًا، والتتويج بالدوري الإنجليزي بعد 30 عامًا من الانتظار، لم يعرفوا معنى التقدير الحقيقي للاعب صنع كل هذا.
هنا يجب أن أقولها وبكل فخر: سيبقى صلاح وحده، رجل يقاتل من أجل شغفه، من أجل اسمه، من أجل وطن يعلق قلبه به، لم يهاجم النادي يومًا، بل حافظ على احترامه حتى حين شعر بالإهمال، ما يحدث معه ليس مجرد قرار فني، بل فشل أخلاقي لنادٍ كان يجب أن يكون أوفى من ذلك.
الخلاصة تقول: مهما حدث، سيظل محمد صلاح أكبر من ليفربول، أكبر من المدرب سلوت، أكبر من أي أحد لا يعرف قيمته. سيظل رمزًا لبلد كامل، وأسطورة كروية لا تمحوها مقاعد البدلاء، ولا قرارات عابرة، ولا صمت نادٍ فقد ذاكرته.
الملك المصري لا يحتاج للدفاع عن نفسه… نحن من ندافع عنه، لأن التاريخ يعرف الحقيقة جيدًا:محمد صلاح لم يخذل يومًا ناديه… لكن النادي خذله ويكفيه حب الجمهور الحقيقي.
Trending Plus