القارئ أحمد حافظ يكتب: موسم صيد الأناكوندا

في ليله ظلماء دامسة، عادت للظهور مجددا من عميق وحل مستنقع الشر والمكر ، المتغطرسة الأناكوندا العنيدة، ذات الرأس الدميم، والبدن المسموم، بشراهة ضارية تلتهم الحجر والبشر وتعيث في الأرض فسادا، فهي الوحش المتعطش دائما لمذاق دماء البشر، وسحق عظامهم، مرهوبة بفحيحها كل من يقطن حول مستنقعها من أهل القرية الآمنة، وهم لا حول لهم ولا قوة، فكم من مرة التوت حول شجرها العتيق معتصرة لشرايينه المتجذرة في قلوب أهل القرية، لتقتلعه من جذوره، لكنه أبى، ومنيت بالخيبة والفشل. وتحت وطأة رهاب النفس بين توجس وخيفة، انقسمت حيرة الناس بين مشورتين.
أولها، تلاشي بطشها والتعايش جوارها في سلام والابتعاد عنها قدر الإمكان. وثانيها، ما ارتأه العقلاء من رشدائهم بمجابهتها، فقد لا يجود الزمان لهم بفرصة قنص للأناكوندا مرة أخرى، خاصة والمغترة تختال بعنفوانها وهي متأججة بزعاف السم يملأ فيها، في زهو وعلى الملأ فوق سطح مستنقع الجحيم، وسط خوف وتخاذل بعض القرى على استحياء، وخرس أهل قرى أخرى، دون وخذ ضمير، ثم كانت قريتي دوما هي السند والوتد، فكم أنت عظيمه يا طيبة قلبي.
همس البعض مرتجفا، فكيف السبيل لمواجهه ذات جمر المقلتين اناكوندا الجحيم؟ وما هو سلاح الخلاص وحربه النجاة للدفاع عن الارض وحفظ العرض، ووأد مكر الدنيئه لإقصاء وتهجير أهل القرية المستضعفة الأمنه، لتصبح مرتع لجنسها الثعباني القابع في عميق ظلمات طين مستنقع الشر ،منتشيا لذه الهيمنة الواهية علي يد انثاه الفاجرة .
ازداد همس الناس مع تصارع الأنفاس، فالكل خائف، حتى الأناكوندا ترمقهم بقلق مخافة من تدابير البشر، فبات الجمع يأمل أن تكون صاعقة السماء هي طوق النجاة لهم، صاعقة تضرب وتهلك وتقضي على وحش تجبر في الأرض وعاث فسادا، مستنكرا عدالة السماء، وإن أمهلته..
ومع الصباح الجديد استقر في ضمير أهل القرية، أن سلاح الخلاص الذي سيبتر رأس ثعبان الشر، ويضربه في مقتل، هو سلاح الوحدة والاعتصام وترابط كل أهل القرى ضد مغتصب الحق، فنصر رب السماء يأتي حليفهم، حين يغير أهل القري ما بأنفسهم.
فالسلاح المنشود المخلص هو سلاح التجويع الفتاك ،ورأس الحربة هي العزلة والحصار للأناكوندا القميئة، بتجفيف كل روافد الإمدادات والمنافع ومظاهر الحياه لها، فتخور قواها وتضمر تموت..
فخيار المقاطعة الاقتصادية ،في مواجهه الجور والديكتاتورية هي امثل الحلول .
تلك هي أسلحة سكان كل القرى (القوي الناعمة) الفتاكة، سلاح نشر الوعي، والشفافية وكشف الحقائق ومواجهة الفكر بالفكر، لإيقاذ الضمير الإنساني لكل عاقل على أرض البسيطة، بتوحيد الرؤى وإعلاء قيمه احترام سيادة الأمم والشعوب، فأصبح لا يخفي على القاصي، والداني ما يحدث ويشاهد علي الملأ و عبر الشاشات، كل هذا الكم من الجرائم العنصرية، والسيكوباتية المفرطة ضد تلك الامة المستضعفة ومباشر أمام العالم، بلا أي ذنب، جرائم ترفضها كل الأديان السماوية، التي تدعو للسلم والسلام على يد رسل وأنبياء الله (عزوجل).
ظلم بين طفح به الكيل كباطن الأرض حين تغلي من شده الانصهار، فتقذف الحمم من فوهة البركان الغاضب، كرسالة كونية في صورة إنسانية، ما زال فهمها متعذر علي الآخر.
فأملنا معقود على إفاقة ضمائر باتت لعقود في ثبات عميق، لتحكيم العقل الجمعي، والفطرة السوية، لتأديب المعتدي (بمقاطة) كل ما يصنع، وينتجه، حتى يرتجع عن آلة الحرب ومخططات الجحيم، ومقاطعة آلة الماركات، والاكتفاء المحلي، مقاطعة ماكينة صنع السلاح الفتاك الذي يقصي ويهجر، ويستبعد ويقتل الناس ،مقاطعه اقتصاد ديكتاتوريه التهديد والوعيد..
وفي ذات الوقت مد اليد الأخرى بالسلام، كخيار العدل والحق في الحياه والمساواة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والتعايش في سلم وسلام دائمين .
Trending Plus