وليد فكرى يكتب: حِس الفكاهة الإسرائيلى!

وليد فكرى
وليد فكرى

منذ أيام طرحت إسرائيل، من خلال مندوبها لدى الأمم المتحدة، دانى دانون، سؤالًا هو: «لماذا تعزز مصر جيشها وتقويه، ولماذا تحتاج لكل تلك هذه الدبابات رغم عدم وجود تهديدات؟».

تأملت السؤال وأنا أتخيل لو أننى كنت المكلف بالرد عليه، إذن يحتاج الأمر منى حوالى الساعة للرد، 59 دقيقة للضحك ودقيقة للإجابة، والحقيقة أنى عند قراءتى السؤال تصورت أننى سأسمع صوت ضحك الجمهور، كما يحدث فى مسلسلات السيت كوم.

لم يقل لى أحد من قبل أن الإسرائيليين يتمتعون بحس فكاهة عالى لهذا الحد!

فكر معى.. تخيل أن لك جار سوء لا تؤمن بوائقه، وسبق له أن اصطدم بك ولم يرتدع إلا عندما أريته «العين الحمراء»، وتعلمت من تجاربك معه أنه لا يُلزِم نفسه حدوده إلا بالقوة، فقررت أن تؤمن بيتك وأن تدعم دفاعاته، فتذمر جار السوء منك، وسألك مستنكرًا: «لماذا تحتاج لكل هذا التأمين فى غياب أية تهديدات؟».. ألم يكون هذا سؤالًا مضحكًا؟

ما يثير الدهشة بشكل أكبر ليس السؤال نفسه وإنما من يطرحه، فلئن كانت بعض الصحف الإسرائيلية تتناوله من وقت لآخر فهذا مفهوم، أما أن يصدر عن المؤسسة الرسمية القائمة بالخارجية لحكومة دولة، فهذا أمر يحتاج إلى جرأة مفرطة، فلو أننى مكان السيد دانون لخشيت أن يظن الحضور بعقلى الظنون لو طرحت مثل هذا السؤال، الذى يعرف إجابته أى طفل فى مصر بالمرحلة الابتدائية.. أتحدث بجدية: جرب أن تستوقف أى طفل فى الشارع وأن تسأله: «لماذا يجب على بلدك أن تمتلك جيشًا قويًا؟»، وسيجيبك.

إننى اقترح على السيد دانون أن يبحث عن أى من الباقين على قيد الحياة، ممن كانوا فى مطبخ السياسة الإسرائيلية أو كانوا قريبين منه خلال الفترة من حرب 6 أكتوبر 1973 1973 إلى الانسحاب الكامل من طابا سنة 1989، وأن يسأله: «هل كانت إسرائيل لتقبل التفاوض مع مصر ثم تنسحب من كامل سيناء، دون أن تُظهِر مصر قوتها اللازمة لحماية حقها؟»، أعلم أن الدعاية الصهيونية داخل وخارج إسرائيل تروج لفكرة سخيفة متهافتة هى أن: «مصر فاجأت إسرائيل فى 6 أكتوبر 1973 بالهجوم عليها «لاحظ.. عليها، كما لو كان الهجوم المصرى قد وقع على أرض إسرائيلية وليس أرضًا مصرية محتلة، إلا أن الجيش الإسرائيلى استطاع أن يهزم مصر، وأن يلزمها الجلوس إلى مائدة المفاوضات»

رغم هذه العبارة المضحكة التى ترد عليها حقيقة بسيطة هى أن إسرائيل لا تتفاوض ولا تلتزم إلا مجبرة، إلا أن هؤلاء الساسة لو سألهم السيد دانون لأجابوا أن إسرائيل لم تكن لتتعامل مع مصر بندية واحترام إلا بتلقى الإسرائيليين درسًا قاسيًا، يجعلهم يدركون أن معاداة مصر لها ثمن باهظ لا يقدرون عليه، لدرجة أنه خلال أزمة طابا وتمسك الإسرائيليين بعدم الانسحاب منها، وعرض مصر اللجوء للتحكيم الدولى وفقًا لبنود اتفاقية السلام، وقعت أزمة سياسية فى إسرائيل، إذ إن حزبى الليكود والعمل كانا يشكلان وزارة ائتلافية لعجز أى منهما عن حيازة أغلبية الأصوات لتشكيل الحكومة، بينما تمسك الليكود بقيادة آرييل شارون برفض التحكيم تملك العمل بقيادة شيمون بيريز بالتحكيم إلى درجة التهديد بالانسحاب من الائتلاف الحكومى، وبالتالى سقوط الحكومة، وهذا لإدراك بيريز وحزبه أن السلام مع مصر يستحق التضحية بأية أراضٍ احتلتها إسرائيل منها، وأن العداء معها أمر لا تُحمَد عقباه.

والنتيجة، أن جمهورية مصر العربية هى الدولة الوحيدة التى احتلت إسرائيل أراضٍا لها ثم أعادتها لها بالكامل، سواء بالحرب أو بالتفاوض والاتفاق أو باحترام التحكيم الدولى.

هل يعتقد السيد دانون أن ساسة دولته كانوا ليلتزموا بالتفاوض ثم الاتفاق ثم تنفيذ بنود الاتفاقية واللجوء للتحكيم ثم الالتزام بحكم المحكمة الدولية، دون أن تمتلك مصر ما يجعل إسرائيل تدرك أن عاقبة الخروج عن هذا الخط المستقيم موجعة؟!

لدينا تعبير مصرى هو «يخاف مايختشيش»، وهو تعبير يصف الذى لا يردعه عن إيذاء غيره ضمير يقظ ولا حب للخير ولا نفور من الشر، وإنما يردعه فقط إدراكه سوء العاقبة، أما لو أحس ضعفًا ممن أمامه فلن يتردد فى العدوان عليه، أعتقد أن القارئ فى تاريخ إسرائيل مع من هم أضعف منها عسكريًا سيدرك بسهولة علاقة التعبير سالف الذكر بالأمر.

«لماذا تحتاج مصر إلى جيش كبير قوى؟».. يطرح دانون - وغيره من الإسرائيليين - السؤال بصيغة توحى بأن حرص مصر على امتلاك مثل هذا الجيش، أمر مستحدث، أو شىء جديد، والحقيقة التاريخية هى أن تاريخ اهتمام المصريين بالجيش وبالجهوزية القتالية يرجع إلى عصر الحضارة المصرية القديمة وعهود الملوك المحاربين من أحمس مرورًا بتحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثانى وسيتى الأول، وصولًا لرمسيس الثانى ومرنبتاح الأول ورمسيس الثالث وغيرهم، وهى بالتأكيد حقيقة قد تكون جارحة لمشاعره، لأنه بالتزامن مع تلك الفترة التاريخية كان الأسلاف الذين يزعم الإسرائيليون الانحدار منهم هم مجرد شراذم من البدو الرُحَل «خابيرو» مطاريد الأمم، الذين يبلغ أقصى طموحهم أن يقبلهم بعض أمراء الحرب كمرتزقة مقابل حفنة من الغلال.

دولة عمرها لم يبلغ بعد الثمانين عامًا، ولا تمتلك أصلًا دستورا لفشل محاولات التوفيق بين الرؤى العلمانية وتلك التوراتية، وجيشها لا تظهر «قوته» و«بطولاته» إلا فى مواجهة المدنيين العُزَل، وسجله من المذابح وجرائم الحرب ضد المدنيين أكبر بكثير من سجل انتصاراته الحربية ضد جيوش نظامية، ومجتمع الجيش نفسه ممزق بين التيارين العلمانى والحاخامى، والدولة نفسها تقوم بتسليح المستوطنين فى مخالفة صارخة للمعتاد من أن أية دولة محترمة تحرص على أن تحتكر الدولة حيازة السلاح القتالى وإنشاء وتنظيم الجيوش، وقياداتها الأمنية والعسكرية تتبادل ما أصفه تأدبًا «التراشق بالكلام الجارح» أمام كاميرات الإعلام والمنصات، وقبول هذه الدولة عضوة فى الأمم المتحدة سنة 1949 بعد رفض سابق لعضويتها كان مشروطًا بالتزامها قرارات الأمم المتحدة بالتقسيم، وحق الفلسطينيين فى العودة وتعويضهم عن تهجيرهم، وهو الشرط الذى لم تدخر جهدًا فى مخالفته.

هذه الدولة قررت أن تسأل مصر أعرق دولة موحدة ثابتة على إقليمها فى تاريخ الحضارة الإنسانية، والمؤسِسة لأقدم تجربة للجيش النظامى دائم الجهوزية، والمعتزة بأن سجل جيشها منذ أقدم العصور ليست به نقاط سوداء من مذابح أو جرائم حرب، عن سبب حرصها على امتلاك جيش قوى مجهز.
أحيانًا غباء بعض الأسئلة يحيرك فى الرد عليها لفرط ما فيها من إساءة من أصحابها لأنفسهم، فتسأل نفسك: «بما أجيبك وقد أهنت نفسك بالفعل بمثل هذا السؤال؟».

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

لاستيعاب الكثافة المرورية.. مجلس الوزراء يوافق على طلب لمحافظة الجيزة

هيئة الأرصاد تكشف حقيقة تعرض مصر لـ العاصفة شيماء

الاعتراف بإسرائيل وإدارة سجون داعش.. تفاصيل اجتماع ترامب والشرع فى السعودية

وزير التعليم يعلن إعادة إطلاق اختبار "SAT" رسميًا فى مصر بداية من يونيو 2025

وزارة التعليم: إضافة 20% من درجات العربى والتاريخ بالثانوية الدولية للمجموع


بعد زلزال كريت.. تقرير لمعهد الفلك يكشف أسباب الهزات الأرضية.. التقرير يوضح كيفية قياس قوة الزلزال وتحديد شدته.. يستعرض أكبر الزلازل قوة فى التاريخ.. ويؤكد: لا أحد يستطيع التنبؤ بحدوثها فى العالم حتى الآن

كل ما تريد معرفته عن أزمة مباراة القمة قبل القرار المنتظر غداً

دفاع الفنان محمد غنيم: إنهاء إجراءات إعادة المحاكمة وحبس موكلى لحين تحديد جلسة

فى معلومات.. الفرق بين زلزال 1992 وزلزال كريت المفزع

مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الثانى 2025 لطلاب الجيزة


قصر ترامب الطائر.. "NBC": أعمال تحويل طائرة قطر لرئاسية تكلف أمريكا مليار دولار

الإدارية العليا تلغى حكم أول درجة بشأن تابلت طلاب الثانوية: عهده ويجب إعادته

التحقيق فى اتهام طالب بمحاولة الامتحان بدلا من رمضان صبحى

نادين نسيب نجيم تُبرز إطلالتها على السجادة الحمراء لمهرجان كان

العاهل البحرينى: المباحثات النووية بين واشنطن وطهران قد تعيد الاستقرار إلى المنطقة

ترامب: رفع العقوبات عن سوريا ونعمل على إضافة دول إلى اتفاقات أبراهام

الأهلي يترقب وصول ريفيرو إلى القاهرة لحسم عقود تدريب الفريق قبل المونديال

تقارير تكشف موعد وصول مدرب الأهلى الجديد جوزيه ريفيرو للقاهرة

موعد مباراة الزمالك القادمة أمام بتروجت فى الدورى والقناة الناقلة

حدث ليلا.. تغطية شاملة لزلزال اليوم بقوة 6.4 ريختر: كان قويًا نسبيًا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى