أحمد إبراهيم الشريف يكتب: إيزيدورا.. الاستشهاد فى الحب

أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف

في كتابها "معك" تتحدث السيدة سوزان طه حسين عن زوجها العميد فتقول "ذات يوم، دخلنا إلى واحد من هذه القبور (تقصد قبور منطقة تونا الجبل في محافظة المنيا) كان يشبه القبور الأخرى بدرجه الخارجي الضيق، صعدنا إلى الغرفة الصغيرة، وكان قد وُضِع فيها قديمًا جسدٌ نحيفٌ لفتاة كانت قد أَلْقَتْ بنفسها في النيل اسمها إيزيدورا، وتقول الكتابة الموجودة على قبرها إنَّ أباها قد طلب من أجلها القرابين والصلوات، وفجأة لاحظنا أنَّ طه قد ابتعد عنا، ثم طلب إلينا أن نحمل إليه مصباحًا قديمًا (وكان ذلك متوفرًا) وأن نشعله بالبخور وأن نستمرَّ في إشعاله" ويقول المقربون من طه حسين إنه كان كلما ذهب إلى استراحته الموجودة حتى الآن في منطقة تونا الجبل يقدم وردة صباحية إلى المومياء النائمة.

لكن من هي إيزيدورا تلك وما قصتها، إنها فتاة مصرية كان عمرها عند موتها 18 سنة، ويبدو من موميائها - التي رأيتها بنفسي في زيارتي الأخيرة للمنطقة - أنها كانت رائعة الجمال، وقد عاشت فى مصر فى  القرن الثانى قبل الميلاد فى عصر الإمبراطور هادريان،  وتحمل المقبرة رقم1 بين مقابر منطقة تونا الجبل.

و"ايزيدورا" ابنة أسرة إغريقية كانت تعيش فى مصر فى مدينة أنتنيوبولس "الشيخ عبادة حالياً" وكان أبوها حاكما للإقليم المعروف حاليا بمحافظة المنيا، وكان قصره الكبير موجودًا فى المدينة، حيث يطل على النيل.

وقعت الفتاة الجميلة فى الحب، فذات يوم خرجت "ايزيدورا" من مدينتها عبر النهر لتحضر أحد الاحتفالات الخاصة بـ"تحوتى" رمز الحكمة والقلم فى مصر القديمة، وهناك قابلت الضابط حابى فتعلقت به وافتتن هو بها، والضابط حابى مصري كان يعيش على الجانب الغربى من النيل فى مدينة خمنو "الأشمونين حاليًا" وكان من قوات الحراسة الموجودة فى المدينة، ومن ثم يعتبر شخصًا عاديَّا من أبناء عامة الشعب المصرى ولم يكن من علية القوم، فلا يوجد أى وجه للمقارنة بينهما من حيث المستوى، ورغم ذلك قال الحب كلمته.

كان حابي وإيزيدورا يتقابلان كل يوم وكل ليلة، فكانت تذهب إليه عند البحيرة، وكان يأتى إليها بجوار قصر أبيها، وبعد ثلاث سنوات من الحب الصادق علم أبوها بذلك، وقرر أن يقف في وجه ذلك الحب، ففى عرفه لا يجب أن ترتبط ابنته ذات الأصول الإغريقية بشاب مصرى، وأبلغ الحراس بتتبعها، وأن يمنعوا ذلك الشاب من مقابلتها، وبالفعل تم تضييق الخناق عليها حتى فكرت في أن الحياة دون حبيبها لا معنى لها فقررت الموت.

أخذت قرارها لكنها أرادت أن تراه للمرة الأخيرة، وبالفعل تمكنت من مغافلة حراسها وذهبت إلى ذات المكان عند البحيرة ولم تخبره بما همت أن تفعله، ودعته وذهبت، حتى إذا بلغت منتصف النهر ألقت بنفسها فى أحضان النيل.

ندم أبوها أشد الندم على ما فعله بابنته، فبنى لها مقبرة جميلة وكتب بها مرثيتين، أما حبيبها فكان مخلصا ووفيا فكان يذهب كل ليلة يشعل شمعة بداخل مقبرتها حتى لا تبقى روحها وحيدة.

ومما جاء في المرثية التي كتبها والدها على مقبرتها "أي ابنتي سوف لا أقدم لك بعد اليوم قرابين مصحوبة بالأنين بعدما عرفت أنك في عداد الآلهة، الوداع يا طفلتي فأنت الآن حورية".

وتكشف هذه القصة المعبرة في تاريخ مصر عن طريقة تفكير المجتمع في ذلك الوقت، وعن الحب وما يتحكم فيه من عرف اجتماعي ونظرة طبقية، ومع ذلك تحولت هذه القصة إلى أيقونة في عالم الحب، دالة على المحبة التي وصلت إلى حد الاستشهاد.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

"غزة تحت القصف".. الاحتلال يُواصل الإبادة الجماعية لليوم الـ 678

نصف قرن قضاها فى زراعة القطن.. حكاية العم لطفى الكومى الفلاح الفصيح مع الذهب الأبيض فى الشرقية.. مدير عام الزراعة: إجمالى المنزرع من المحصول 36863 فدان جيزة 94 بزمام المحافظة.. إنتاجية الفدان من 9 إلى 11 قنطارا

انفوجراف لوزارة التعليم يوضح المناهج المطورة لكل صف.. اعرف التفاصيل

تشانينج تاتوم ينضم لفيلم Demon Slayer:Kimetsu No Yaiba Infinity Castle

موعد مباراة الأهلى أمام فاركو فى الدوري المصري والقناة الناقلة


مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح لتجنب الحرائق الناتجة عن أجهزة التكييف

أحلى من الشهد يا تين.. إنتاجه يزيد عن 11 طنا.. ومزارعو المنيا: موسم الفرحة

اليوم.. انطلاق مباريات الجولة الثانية من مسابقة الدوري المصري

زوج يلاحق زوجته بالنشوز بعد شهور من زواجه:" زوجتى شهرت بى وضربتنى"

تفاصيل حفل افتتاح مهرجان القلعة للموسيقى والغناء قبل انطلاقه الجمعة


محمد معروف حكما لمباراة الأهلي وفاركو بالدوري

سواق توك توك.. ياسر جلال يلبى نصيحة أصدقائه بعمل إضافى مع التمثيل (فيديو)

مرحلة تقليل الاغتراب.. إتاحة موقع التنسيق الإلكترونى للتقدم بالرغبات

على ماهر يعقد جلسة مع لاعبى سيراميكا لتصحيح الأخطاء قبل مواجهة زد

وزير الخارجية: مصر لن تسمح لإسرائيل باتخاذ أي قرارات غير مسؤولة

الجونة يراقب غزل المحلة أمام سموحة قبل مواجهة الجولة الثالثة

الداعية السلفي أسامة القوصي في حوار الطلقات السريعة: الإخوان يؤدون رقصة الموت الأخيرة.. السوشيال ميديا آخر أسلحتهم لتمزيق النسيج المصري.. والأمريكان استخدموهم مثل "الكلينيكس" ثم ألقوا بهم إلى القمامة

نقابة المهن التمثيلية تحول بدرية طلبة للتحقيق لما صدر منها من تجاوز

لاعب الزمالك الناشئ يطلب الحصول علي مستحقاته..ورئيس القطاع :ليس هناك أي أزمة

الأردن يحذر تصريحات نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى": عواقبها وخيمة على المنطقة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى