الحب فى بر مصر.. حكايات كاشفة من التاريخ المصرى.. إيزيدورا اختارت الاستشهاد على درب العشق.. إيزيس وأوزوريس أسطورة علمت المصريين كيف يحبون.. غرام فى قصر المماليك.. وطريقة مختلفة لـ رفاعة الطهطاوى فى التعبير

الحب فى بر مصر
الحب فى بر مصر
أحمد إبراهيم الشريف - عمار محسن - خالد إبراهيم - محمد عبدالرحمن

الحب فطرة الله فى الناس، بعضنا ينتبه لذلك وبعضنا يتغافل، ويمكن القول إن المصريين أهل حب، بل إن هذا الشعور جزء من سلوكهم، هكذا خلقهم الله منشغلين بالمحبة وباحثين عن التعرف عليها والتماس معها، فقد علمتهم الطبيعة أن يعطوا لقلوبهم نصيبها من الحياة.

وهكذا أهل الحضارات يجعلون من الحب غاية، ومن التواصل الإنسانى سبيلا لتكون حياتهم أفضل، والمعروف أن الحب يرقق القلب ويجعل الإنسان قادرا على الاستمتاع بما بين يديه من نعم إلهية.

المصريون شعب يقدس مشاعر الإنسان ويهتم بها ويحكى عنها وينقشها على آثاره، وعلى مدى الأزمنة ظلت بعض القصص تمثل تيمات سارت خلفها بقية القصص، وهذا ما سنقدمه فى ملف الحب.

 

إيزيدورا.. الاستشهاد فى الحب

فى كتابها «معك» تتحدث السيدة سوزان طه حسين عن زوجها العميد فتقول «ذات يوم، دخلنا إلى واحد من هذه القبور «تقصد قبور منطقة تونا الجبل فى محافظة المنيا»، كان يشبه القبور الأخرى بدرجِهِ الخارجى الضيق، صعدنا إلى الغرفة الصغيرة، وكان قد وُضِع فيها قديما جسدٌ نحيفٌ لفتاة كانت قد أَلْقَتْ بنفسها فى النيل اسمها إيزيدورا، وتقول الكتابة الموجودة على قبرها إنَّ أباها قد طلب من أجلها القرابين والصلوات، وفجأة لاحظنا أنَّ طه قد ابتعد عنا، ثم طلب إلينا أن نحمل إليه مصباحا قديما «وكان ذلك متوفرا» وأن نشعله بالبخور وأن نستمرَّ فى إشعاله»، ويقول المقربون من طه حسين، إنه كان كلما ذهب إلى استراحته الموجودة حتى الآن فى منطقة تونا الجبل يقدم وردة صباحية إلى المومياء النائمة.

إيزيدورا، هى فتاة مصرية كان عمرها عند موتها 18 سنة، ويبدو من موميائها - التى رأيتها بنفسى فى زيارتى الأخيرة للمنطقة - أنها كانت رائعة الجمال، وقد عاشت فى مصر فى القرن الثانى قبل الميلاد فى عصر الإمبراطور هادريان، وتحمل المقبرة رقم1 بين مقابر منطقة تونا الجبل.

وهى ابنة أسرة إغريقية كانت تعيش فى مصر فى مدينة أنتنيوبولس «الشيخ عبادة حاليا»، وكان أبوها حاكما للإقليم المعروف الآن بمحافظة المنيا، وكان قصره الكبير موجودا فى المدينة، حيث يطل على النيل.

وقعت الفتاة الجميلة فى الحب، فذات يوم خرجت «إيزيدورا» من مدينتها عبر النهر لتحضر أحد الاحتفالات الخاصة بـ«تحوتى» رمز الحكمة والقلم فى مصر القديمة، وهناك قابلت الضابط حابى فتعلقت به وافتتن هو بها، والضابط حابى مصرى كان يعيش على الجانب الغربى من النيل فى مدينة خمنو «الأشمونين حاليا» وكان من قوات الحراسة الموجودة فى المدينة، ومن ثم يعتبر شخصا عاديَّا من أبناء عامة الشعب المصرى، ولم يكن من علية القوم، فلا يوجد أى وجه للمقارنة بينهما من حيث المستوى، ورغم ذلك قال الحب كلمته.

كان حابى وإيزيدورا يتقابلان كل يوم وكل ليلة، فكانت تذهب إليه عند البحيرة، وكان يأتى إليها بجوار قصر أبيها، وبعد 3 سنوات من الحب الصادق علم أبوها بذلك، وقرر أن يقف فى وجه ذلك الحب، ففى عرفه لا يجب أن ترتبط ابنته ذات الأصول الإغريقية بشاب مصرى، وبالفعل تم تضييق الخناق عليها حتى فكرت فى أن الحياة دون حبيبها لا معنى لها فقررت الموت.

أخذت قرارها لكنها أرادت أن تراه للمرة الأخيرة، وبالفعل تمكنت من مغافلة حراسها وذهبت إلى ذات المكان عند البحيرة ولم تخبره بما همت أن تفعله، ودعته وذهبت، حتى إذا بلغت منتصف النهر ألقت بنفسها فى أحضان النيل.

ندم أبوها أشد الندم على ما فعله بابنته، فبنى لها مقبرة جميلة وكتب بها مرثيتين، أما حبيبها فكان مخلصا ووفيا، فكان يذهب كل ليلة يشعل شمعة بداخل مقبرتها حتى لا تبقى روحها وحيدة.

 

الحب على طريقة رفاعة الطهطاوى

لو عدنا لصفحات التاريخ لوجدنا قصة للمفكر المصرى الكبير رفاعة رافع الطهطاوى تعود تاريخها نحو 180 عاما بالتمام والكمال، عندما تزوج من ابنة خاله فى سنة 1838 ميلادى، لكنه لم يكن زواجا عاديا، وخلال وثيقة زواج لم تكن عادية يعود تاريخها لعام 1840 ميلاديا، الموافق 1255هـ، أى حوالى 185 عاما مضت واقترب على تاريخها 200 عام، انتصر فيها رفاعه الطهطاوى لحقوق المرأة، أثناء عقد قرانه على زوجته، متعهدا بالحفاظ على حقوقها وعدم الزواج عليها، طالما هى على ذمته حتى لو جارية.

وجاء نص وثيقة رفاعة الطهطاوى على الشكل التالى:
التزم كاتب الأحرف رفاعة بدوى رافع لابنة خاله المصونة الحاجة كريمة بنت العلاَّمة الشيخ محمد الفرغلى الأنصارى أن يبقى معها وحدها على الزوجيَّة دون غيرها من زوجة أخرى أو جارية أياَّ ما كانت وعلَّق عصمتَها على أخذ غيرها من نساء أو تمتع بجارية أخرى.. فإذا تزوَّج بزوجة أياَّ ما كانت بنت خاله بمجرد العقد خالصة بالثلاثة، وكذلك إذا تمتع بجارية ملك يمين ولكن وعدها وعدا صحيحا لا يُنقض ولا يخل أنها ما دامت معه على المحبَّة المعهودة مقيمة على الأمانة والحفظ لبيتها ولأولادها ولخدمها ولجواريها ساكنة معه فى محل سكناه لن يتزوج بغيرها أصلا ولا يتمتَّعَ بجوارٍ أصلأ ولا يُخرجها من عصمته حتى يقضى الله لأحدهما بقضاء.

هذا ما اتفقت عليه العهود وشهد الله سبحانه وتعالى بذلك وملائكتُه ورسلُه وأن فعل المذكور خلافَه كان الله تعالى هو الوكيل العادل للزوجة المذكورة يقتصُّ لها منه فى الدنيا والأخرة، هذا ما انخط عليه الاتفاق وكذلك إن اتعبته فهى الجانيةُ على نفسها. «رفاعة بدوى رافع، 14 شوال 1255هـ».

 

إيزيس وأوزوريس.. أسطورة علمت المصريين كيف يحبون

لولا الحب، ما كانت الحضارة المصرية، ليست هذه مقولة لأحد المؤرخين الكبار، ولكنها توصيف لحالة المصرى القديم الذى استطاع أن يقيم أقدم وأعرق حضارة بالتاريخ، بالحب، فقد أحب المصرى القديم بلده، وأحب نيلها وأرضها وسماءها ورملها، وأخلص لها كما لم يخلص أحدا من قبله لبلده، فكانت النتيجة، حضارة عاشت أكثر من 7 آلاف عاما، وحده الحب الذى كان قادرا على إعطاء المصرى قوة الاستمرار، فالحضارة المصرية علمت العالم قيمة الحب، ليس فقط حب الوطن، ولكنها أسست لأعظم قصص الحب العاطفية الباقية حتى الآن، فعلى أرض مصر، وُلدت أول قصة حب عرفها التاريخ.

لا يوجد طفل صغير لا يعرف أسطورة إيزيس وأوزوريس، فهى عن جريمة قتل أوزوريس، فرعون مصر، على يده أخيه ست، الذى ما أن قتله أخاه حتى اغتصب عرشه، ولكن إيزيس زوجة أوزوريس لم تيأس، وظلت تبحث عن أوزوريس، حتى عثرت عليه، لكن ست تمكن من إعادته لحوزته مرة أخرى، ثم قام بتقطيعه إلى 42 جزءا، ووزعها على أقاليم مصر، لكن إصرار الزوجة المصرية لم ينته بعد، فظلت إيزيس تبحث عن أشلاء زوجها، حتى جمعته، وأنجبت منه «حورس»، ليكبر الابن وينتصر على ست فى النهاية.

عاشت تلك القصة، أعواما وقرونا وآلاف السنين، وما زالت تمثل نموذجا عن الحب والإخلاص فيه، حتى بات الأسطورة أيقونة مصرية خالصة، تُلهم أبناء وبنات أرض مصر، الكثير من المعانى عن الحب والتمسك بهذا الحب رغم الصعاب.

الأسطورة، اتخذت مدى أكبر من تأثيرها التاريخى، لتتحول إلى أسطورة مؤسسة لمعانى كثيرة، بل أن الجانب الدرامى الذى يحيط بها، فتح أفاقا واسعة لشكل الدراما المصرية، حتى من قبل الأساطير اليونانية التى يُقال أنها أسست للدراما المعروفة لنا الآن.

إيزيس الأسطورة قصة قادمة من عصور سحيقة من التاريخ، لكن إيزيس الحقيقة موجودة فى كل شارع وحارة مصرية، فالمصريات يُعلمن أول ما يُعلمن أبناءهم الحب، والإخلاص فى هذا الحب، والوفاء تجاه شريك الحياه، وبالتالى فإيزيس ليست أسطورة مصرية، ولكنها حدوتة مصرية حية، تُبرهن بنات مصر على حقيقتها.

 

حب فى قصر المماليك

ربما لم يكن السلطان الناصر محمد بن قلاوون من أصحاب القصص الغرامية الأسطورية، ولم يُعرف عنه كتابة الشعر أو التغزل فى محبوباته، لكنه كان قائدا محنكا، وحاكما عظيما، إضافة إلى كونه عاشقا مخلصا، لم تُفرد كتب التاريخ صفحات كثيرة عن جانبه العاطفي، لكنه أحب زوجته خوند طغاى حبا شديدا، لم يكن مجرد عاطفة، بل كان قائما على الاحترام والاهتمام المتبادل. كان حبه هادئا لكنه عميق، مزيجا بين حب القائد لعائلته، وحب الرجل لرفيقته.

فى زمنٍ كان الزواج بين السلاطين قائما على المصالح السياسية، ولم تكن قصص العشق منتشرة فى قصور المماليك، كسر الناصر محمد القاعدة بحبه العميق لخوند طغاى، التى لم تكن مجرد زوجة، بل معشوقته وشريكة حياته، رغم أن امتلاك الجوارى كان شائعا، وظل السلاطين يتزوجون أكثر من امرأة، إلا أن خوند طغاى كانت الأقرب إلى قلبه، وظلت فى مكانة رفيعة لا تنافسها فيها أى زوجة أخرى، حتى ابنة الأمير تنكز.

وصفها المقريزى فى كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» بأنها أجمل نساء عصرها، وأذكى نساء البلاط المملوكى. كانت صاحبة نفوذ وسلطة لم تصل إليها غيرها من نساء الدولة. كان الناصر محمد، لا يتخذ قرارات كبيرة دون استشارتها، وهو أمر نادر بين سلاطين المماليك، ما جعلها تحظى باحترام الجميع.

لم يبخل ابن قلاوون على خوند طغاى بأى شىء، فقد كان يغدق عليها الهدايا الثمينة التى جلبها من فتوحاته، خاصة كنوز عكا. يُقال إنه كان يرسل لها رسائل حب وأشعارا فى سفره، تعبيرا عن ولعه بها.

p.8

 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى