محمد عبد الرحمن يكتب: حب فى قصر المماليك

ربما لم يكن السلطان الناصر محمد بن قلاوون من أصحاب القصص الغرامية الأسطورية، ولم يُعرف عنه كتابة الشعر أو التغزل فى محبوباته، لكنه كان قائدًا محنكًا، وفارسًا شجاعًا، وحاكمًا عظيمًا، إضافة إلى كونه عاشقًا مخلصًا، لم تُفرد كتب التاريخ صفحات كثيرة عن جانبه العاطفي، لكنه أحب زوجته خوند طغاي حبًا شديدًا، لم يكن مجرد عاطفة، بل كان قائمًا على الاحترام والاهتمام المتبادل، كان حبه هادئًا لكنه عميق، مزيج بين حب القائد لعائلته، وحب الرجل لرفيقته.
في زمنٍ كان الزواج بين السلاطين قائمًا على المصالح السياسية، ولم تكن قصص العشق منتشرة في قصور المماليك، كسر الناصر محمد القاعدة بحبه العميق لخوند طغاي، التي لم تكن مجرد زوجة، بل معشوقته وشريكة حياته، رغم أن امتلاك الجواري كان شائعًا، وظل السلاطين يتزوجون أكثر من امرأة، إلا أن خوند طغاي كانت الأقرب إلى قلبه، وظلت في مكانة رفيعة لا تنافسها فيها أي زوجة أخرى، حتى ابنة الأمير تنكز.
وصفها المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" بأنها أجمل نساء عصرها، وأذكى نساء البلاط المملوكي، كانت صاحبة نفوذ وسلطة لم تصل إليها غيرها من نساء الدولة، كان الناصر محمد لا يتخذ قرارات كبيرة دون استشارتها، وهو أمر نادر بين سلاطين المماليك، مما جعلها تحظى باحترام الجميع.
لم يبخل ابن قلاوون على خوند طغاي بأي شيء، فقد كان يغدق عليها الهدايا الثمينة التي جلبها من فتوحاته، خاصة كنوز عكا. يُقال إنه كان يرسل لها رسائل حب وأشعارًا في سفره، تعبيرًا عن ولعه بها.
وكانت مكانتها بين رجال الدولة عظيمة حتى أن الأمراء وكبار القادة كانوا يترجلون عند نزولها من محفتها، ويمشون أمامها احترامًا ويقبلون الأرض بين يديها كما يفعلون مع السلطان نفسه.
بعد وفاة الناصر محمد، لم ينتهِ نفوذ خوند طغاي، بل استمرت شخصية بارزة حتى وفاتها عام 749 هـ خلال وباء الطاعون. تركت وراءها ألف جارية، وثمانين خادمًا، وثروة هائلة. كانت معروفة بالخير والصدقات، حيث جهزت جواريها بالكامل، وخصصت وقفًا خيريًا لإطعام الفقراء، دُفنت في خانقاة الناصر محمد، التي لا تزال واحدة من أعظم معالم القاهرة حتى اليوم.
Trending Plus