سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 15فبراير 1908.. سعد زغلول يرفض رأى قاسم أمين بأن مصطفى كامل «موحد الحركة الوطنية» ويصفه: «مثل رجل أطلق صوته بالغناء وصار يزيد من الصياح»

غادر قاسم أمين بك، منزل سعد زغلول باشا، وزير المعارف يوم 14 فبراير 1908، بعد المناقشة العاصفة التى جرت بينهما حول مصطفى كامل الذى توفى يوم 10 فبراير 1908، وانتقد سعد رأى قاسم الإيجابى فى الزعيم الوطنى، واصفا إياه بأنه «نصاب»، «راجع: ذات يوم.. 14 فبراير 2018.»
وفى 15 فبراير، مثل هذا اليوم، 1908 توجه سعد إلى بيت قاسم، فيتجدد النقاش مرة ثانية حول مصطفى كامل، لكنه كان أشد عنفا هذه المرة، ويذكره سعد فى الجزء الأول من مذكراته، تحقيق: عبدالعظيم رمضان»، قائلا: «اجتمعت عليه فى بيته مع صدقى بك، وجرى ذكر الوفاة، وكنت حكيت لصدقى ما كان من قاسم وسمع منه ما سمعت تقريبا، فناقشت قاسم مناقشة شديدة، حاصلها أنى أستغرب من رئيس لجنة الجامعة، ومن صاحب كتاب «تحرير المرأة» أن يكون له مثل هذا الرأى فى مصطفى كامل، وأن يقول إنه موحد الحركة الوطنية فى مصر»،
يستفيض سعد فى انتقاده لمصطفى كامل، قائلا لقاسم أمين: «كيف يسند إلى هذا الشاب ذلك الأثر، مع أنه وجد قبل أن يخلق، وقبل أن يصير إنسانا؟ أين الشيخ جمال الدين الأفغانى، والشيخ محمد عبده، وعبدالله نديم، واللقانى «إبراهيم اللقانى المتوفى عام 1906 وهو محام وأديب ومن أول قادة النهضة الذين التفوا حول الأفغانى».
يضيف سعد: «أين الجرائد التى أنشأها قوم من أصدقائهم وبمساعدتهم؟ أين الثورة العرابية؟ أين الاحتلال؟ أين خلاف اللورد كرومر والخديوي؟. أين المحاكم التى أقامت العدل؟ أين القوانين التى رسمت الحدود وفصلت الحقوق والواجبات؟ أين جريدة المؤيد ومقالاتها الطنانة الرنانة قبل أن يتنازل إلى المقام الأعلى «يقصد مهادنة صاحبها على يوسف للخديو عباس الثانى»، أين الجرائد الأخرى؟ أين كل هذا؟
يرى سعد أن الإجابات على هذه الأسئلة تؤكد على نهضة أوجدها غير مصطفى كامل، قائلا: «أليس هذا إجحافا بحقوق العاملين أن ننسب هذه النهضة إلى مصطفى كامل وحده؟ رد قاسم: « إنى أعدل قولى، بأنه كان من أكبر عوامل هذه النهضة»، فرد سعد: يجوز أن تقول ذلك، ولكن يلزم أن تفصل الكلام بالتضحيات التى قدمها»، وهنا ترك سعد لنفسه العنان ليضع مصطفى كامل فى تشبيه قاس قائلا: «هو مثل رجل أطلق صوته بالغناء، فوجد أناسا يسمعون، فاستمر فى غنائه، وصار يزيد من الصياح كلما زاده الناس إصغاء، ولم يصادف فى طريقه شيئا من العقبات، وكل ما يفتخر به، الحكم على أخيه، مع أنه كاذب فى ذلك لأن أخاه ارتكب ذنبا وهو فى العسكرية، وحوكم بمحاكمة قانونية، ولذلك فإن أخاه الثانى ممن شملهم الاحتلال بنظره، وهو من أكبر الموظفين فى نظارة الأشغال يتقاضى مرتبا سنويا ألف جنيه».
كان سعد فى حديثه عن أشقاء مصطفى كامل يتناول قصة معروفة وقتئذ تتعلق بالضابط على فهمى كامل، وهو شقيق مصطفى، وحسب عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»: «كان ضابطا برتبة ملازم أول فى الأورطة الأولى بسواكن، وفى نوفمبر 1895 صدر أمر بإحالته إلى الاستيداع، فسافر إلى مصر فى 5 ديسمبر 1895، وفى 12 مارس 1896 أقرت الحكومة المصرية الحملة على دنقلة، وفى 15 مارس، قدم على فهمى استقالته من الجيش ليكون بجانب أخيه فى ميدان الجهاد، فاعتبر الإنجليز استقالته فى هذا الوقت مخالفة للواجب العسكرى تستوجب محاكمته، على الرغم من مسارعته باسترداد استقالته، وحوكم أمام مجلس عسكرى قضى بتجريده من رتبته وتنزيله إلى رتبة «نفر»، وألحق نفرا بتجريدة دنقلة».
استمر سعد فى انتقاده اللاذع العنيف لرأى قاسم فى مصطفى كامل، قائلا: «أندهش منك يا قاسم، كيف تسيغ لنفسك أن تجرد هذا العالم من استحقاقه وتسنده إلى مصطفى كامل؟ على أنى لا أعبأ يحكم مثلك، ما دمت أنت الذى تقول فى كتابك «المصريون.. الرد على الدوق دراكور»: «إن التربية السياسية فى مصر قد انتهت»، وذلك منذ خمس عشر سنة، فلا غرابة أن تقول فى هذا العام إن كل الشعور الذى انبعث فى الأمة نتيجة مساعى مصطفى كامل».
انصرف سعد من عند قاسم، وذهب إلى «نازلى هانم» وهى الأميرة نازلى فاضل، حفيدة إبراهيم باشا ابن محمد على، وكانت تقيم صالونا أدبيا وسياسيا وكان سعد من رواده، ويقول: «سمعت منها أن قاسم قال لها إنه - مع كونه لا يعرف الفقيد ولا أهله - ذهب فعزاهم فى بيتهم»، ويعترف سعد: «اندهشت لسماع هذا الخبر، وفهمت أن قاسم يقول ما قال دفاعا عن نفسه، عندما أسمع أنه توجه إلى بيت مصطفى كامل للتعزية، فى ظنى أنه فعل ذلك تبعا لصالح أو عبدالله أباظة أو رشدى، وقد حكيت الأمر إلى عاطف، فلم يشتد انتقاده على قاسم».
Trending Plus