موت سقراط.. ما أسباب الحكم على الفيلسوف؟

تمر اليوم ذكرى صدور حكم الإعدام على الفيلسوف اليوناني سقراط، الذى يعتبر أحد مؤسسي الفلسفة الغربية، إذ صدر الحكم في 15 فبراير عام 399 ق.م، وذلك بعدما سعت حكومة الطغاة الثلاثين أن يطلبوا من سقراط وأربعة آخرين تنفيذ حكم إعدام ظالم على حاكم سلاميز، كما حوكم لإنكاره الآلهة وإفساد أخلاق الشباب، وفى ضوء ذلك نستعرض الأسباب الرئيسية للحكم على الفيلسوف.
حسب ما جاء في كتاب "الفلسفة اليونانية" من تأليف الدكتورة وريف عوادين: أما التهم التي وجهت إلى سقراط فهي:
كانت التهمة الرئيسية هي افساد عقول الشباب والالحاد. وأما المتهمين لسقراط فهم الثلاثة: انيتوس الذي يمثل رجال السياسة والاقتصاد، وميلوتس الذي يمثل الشعراء، وليقون الذي يمثل الخطباء، وجميعهم طالبوا بإعدام. وهذه التهمة وجهها إليه فلاسفة بعد موته بالاف السنين، فمثلا الفيلسوف فريدريك نيتشه كان يثق في الغرائز أكثر مما يثق في العقل، لكنه عد الغرائز طبقية، فهناك الغرائز الأرستقراطية أي غرائز السادة، وهنالك غرائز العبيد.
وبرأيه أن العبيد يسعون الى بلبلة غرائز السادة بالأخلاق والدين، وفي حال سقراط، الذي كان نيتشة يمقته كثيرا، فقد رأى نيتشه أن سقراط كان يمثل طغيان العقل في مجابهة غرائز السادة ورأى أنه بالفعل كان يعمل على إفساد عقول شباب اثينا.
انيتوس هو أحد قادة المعتدلين الذين قضوا على الثلاثين طاغية، اتهم سقراط بأنه ضلل ابنه وأبعده عن مهنة أبيه وهي الاتجار بالجلود، وجعله يخرج من عباءة أبيه وطاعته، وأيضاً استشهدوا بما فعله تلاميذ سقراط في فضيحة هرموكوبيدس، وتحقيره لالهة الاثينسين وتحطيمها، وتمرد تلاميذه مثل كريتياس القائد في ديكتاتورية الثلاثين المؤيد لإسبرطة، والقيبيادس الذي حطم أصنام هرمس، والشعراء كبندار الذي مدح الطغاة وعظمهم، والشاعر ثيوجينيس الذي عبر عن كراهية النبلاء للطبقة الوسطى المتكونة من الحرفيين والتجار والمطالبين بالمشاركة في الحياة السياسية والوظائف العامة.
وسياسيًا هوجم سقراط لأنه جعل المعرفة تساوي الفضيلة، والملك والحكم للشخص الذي يعرف، وهذا برأي أهل أثينا ردة ملكية، فالإختلاف كان فيما بينهم حول الصراع بين حكم الأقلية وبين توسيع حق المواطنة كديموقراطية شعبية لجميع الفئات، وليس كما اعتقد سقراط.
فهم يفخرون بأنفسهم بأن جميعهم لديهم الفضيلة، إلا أن سقراط اعتقد أن المعرفة المطلقة تصل إلى القلة القليلة من الناس، وبالتالي فرأيه يجعل أهل أثينا كقطيع حيوانات، وأيضأ فقد امتدح سقراط اسبرطة عدوة أثينا، لأنها اعتمدت على طبقة عسكرية في الحكم وليس على عامة الشعب في إدارة شؤون الدولة، و لأن اسبرطة كانت تمنع المواطنين من السفر إلى الخارج منعأ للتلوث الروحي وهنا يظهر دعمه لليوتيوبيا، إذأ سقراط أراد أن يختبر العام بالخاص، أي أراد تحرير العقل من الاقتراضات الأيديولوجية من أجل ملامسة الواقع، لكن هذه الافتراضات لا تأتي من العدم، وإنما تتبع من البنى السلطوية في المجتمع، لذلك فإن زعزعتها تهدد هيمنتها وسطوتها، ولذلك حوكم سقراط وأدين.
أعضاء المحكمة الشعبية 501 شخص، هولاء القضاة كانوا يضعون أحكامهم في صندوق كاقتراع هو أولي؛ وصوت 281 منهم بتجريم سقراط، و220 بعدم تجريمه.
ولأن نتيجة التصويت كانت بفارق بسيط في الأصوات، فإن القانون الأثيني كان يقتضي أن يختار المتهم العقوبة التي يريدها، لكن سقراط لم يذعن للمحكمة ولم يطلب الرحمة، وحذر القضاة من أن يقتلوه لأن الاله سيقضي عليهم، وعندما طلبوا منه أن يختار العقوبة طالب بأن تتعهده وتتبناه البريتانيه، وهي مؤسسة دينية أثينية تتعهد عظام الرجال وتتولى تأمين حياتهم، وهذا تهكم واستهزاء برأي المحكمة، لان طلبه هذا يعني أنه رجل عظيم ولا يستحق هذه المحاكمة من الأساس، ولذلك قررت المحكمة اعدامه وقتله.
Trending Plus