سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 16 فبراير 2000 ..وفاة الفريق أول محمد فوزى «أبو العسكرية المصرية الحديثة» الذى أعاد بناء القوات المسلحة المصرية بعد هزيمة يونيو 1967

كانت الساعة الثانية بعد ظهر 11 يونيو 1967، حين اتصل الرئيس جمال عبدالناصر بالفريق أول محمد فوزى، وأخطره بتعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة، وسأله عن مدى تحمله لمثل هذه المسؤولية من الآن، فأجابه «فوزى» بالموافقة، ثم أخطره الرئيس بأنه سيعلن قراره فى الإذاعة، فى الساعة الثانية والنصف بعد ظهر نفس اليوم، وحدد له الساعة السابعة مساء فى نفس اليوم موعدا للقائه بمنزله ويكون معه تقرير عام عن الموقف، كما طلب منه آخر كشف معدل عن ضباط القوات المسلحة، حسبما يذكر «فوزى» فى كتابه «حرب الثلاث سنوات 1967 - 1970» مؤكدا: «كان هذا أول لقاء لى على انفراد مع رئيس الجمهورية»،
يكشف «فوزى» أنه فى لقائهما قاما بدراسة وتكرار أسماء أصحاب الرتب العظمى فى القوات المسلحة، ثم سأله الرئيس عمن يرشحه رئيسا للأركان فذكر فوزى اسم الفريق عبدالمنعم رياض دون تردد، وكان هذا ما يفكر فيه عبدالناصر أيضا، ومن تاريخ هذا اليوم بدأ الفريق فوزى فى مهمته التاريخية العظيمة، وهى إعادة بناء القوات المسلحة على أسس علمية وعسكرية منضبطة استعدادا لمعركة تحرير الأرض التى احتلتها إسرائيل بهزيمة 5 يونيو 1967.
كان اختيار «فوزى» فى مهمته الجديدة امتدادا لتاريخ عسكرى عريق له منذ التحاقه بالكلية الحربية عام 1934، كما كان امتدادا لتاريخ عسكرى عائلى حافل، فالجد كان من جيش عرابى، وذهب فى حملة إكس إلى السودان، وعاد جندى المراسلة وهو لم يحضر، ووقعت الجدة فى براثن النصابين الذين قالوا لها إنه فى «الغزال»، أو فى المكان الفلانى وهى تبيع فدادين وتعطى ثمنها للدجالين بحثا عن الجد، حسبما يذكر «فوزى» فى سيرته «النكسة.. الاستنزاف.. السجن» التى أملاها للكاتب الصحفى عبدالله إمام.
وكانت السودان مسرحا أيضا لواقعة حدثت مع الأب الضابط البكباشى «أمين فوزى» والكاره للإنجليز، وخرج إلى الاستيداع بعد حادثة رفض فيها إهانة القومندان الإنجليزى الذى جاء بعد الظهر ضمن طابور ترفيه له ولزوجته، وكان يشد الطابور اثنين من الخيول، وقال للضابط أمين فوزى: «امسك بالركاب للست»، فثار الضابط وشتمه قائلا: «ست يا ابن الكلب ده أنا أقدر أجيب أربعة، وسحب سيفه وجرى وراء القومندان على كوبرى أم درمان، ثم ألقى بالسيف وسار وراءه يريد أن يضربه، وانتهت المسألة بإحالته إلى الاستيداع، ثم عاد للخدمة، وتوفى يوم 26 مارس 1926، وكان ابنه محمد 11 عاما، فهو من مواليد 5 مارس 1915.
التحق الابن «محمد» بالكلية الحربية ليكون امتدادا لجده ووالده، وتخرج عام 1934 ضابطا، وشارك فى حرب فلسطين 1948، وحسب روايته لعبدالله إمام: «كان نصيبى مستعمرة أخذتها كهدف تدريبى أضرب عليه، ولفتت كفاءتى الميدانية الضابط الموجودين فى فلسطين ومنهم، جمال عبدالناصر وزكريا محيى الدين وصلاح سالم وكمال الدين حسين، وعندما حوصرت الفالوجة، جاء أمر بالانسحاب على أن أترك مدافعى، فلم أقبل أن أعود إلى غزة وأترك المدافع، فمزقت أمر الانسحاب، وقمت بعملية تكتب فى التاريخ حيث قاد عملية سحب أربعة مدافع تزن 9 أطنان ونصف الطن فوق رمال الشاطئ 130 كيلو إلى غزة».
بعد مشاركته فى حرب فلسطين 1948، انضم إلى الكلية الحربية كمعلم برتبة «مقدم أركان حرب» فى 15 يناير 1949، وعمل فيها لفترة طويلة «كبير المعلمين»، وترقى حتى وصل إلى درجة لواء فمدير للكلية، ولهذا اكتسب لقب «أبو العسكرية المصرية الحديثة»، ثم أصبح رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة فى مارس 1964، وكانت فترة معاناة بالنسبة له، ويعبر عنها قائلا فى كتابه «حرب الثلاث سنوات»: «لا أتذكر أننى قمت خلال هذه الفترة بعمل ما فى القوات المسلحة، وكنت صابرا لثقة وأمل الرئيس عبدالناصر فى شخصى من جهة، ورغبة المشير عبدالحكيم عامر وحرصه على سحب مسؤولياتى وسلطاتى من جهة أخرى، وبقدر ما كان المشير عامر يظهر لى رغبته فى سماع آرائى ويصر على بقائى معه أكثر من الوقت المألوف للمقابلات، بقدر ما كان يتجاهل فى التنفيذ هذه الآراء والأفكار».
قاد مع الفريق عبدالمنعم رياض حرب الاستنزاف المجيدة، وأعد الجيش تماما لمعركة التحرير التى نشبت فى أكتوبر 1973، لكنه لم يحضرها حيث كان يقضى عقوبة السجن بسبب أحداث 15 مايو 1971، حيث قبض عليه على أثر استقالته يوم 14 مايو مع وزراء ومسؤولين كبار آخرين، وقدمهم السادات إلى المحاكمة بتهمة تدبير انقلاب، وقضت المحكمة العسكرية بسجنه 15 عاما أشغال الشاقة، ثم أعفاه السادات من استكمال باقى العقوبة فى عام 1974.
عاش محمد فوزى 26 عاما بعد خروجه من السجن قدم فيها كتابيه المهمين «حرب الثلاث سنوات 1967 - 1970»، و«حرب أكتوبر 1973»، وحظى باحترام وتقدير بالغ من الرئيس مبارك والمشير حسين طنطاوى وزير الدفاع، وشاركا فى جنازته بعد وفاته فى 16 فبراير، مثل هذا اليوم، عام 2000.
Trending Plus