سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 21 فبراير 1910.. جنازة رسمية لبطرس باشا غالى بأمر الخديو عباس الثانى.. وقاتله إبراهيم الوردانى ينتقل إلى قسم عابدين مرفوع الرأس ويتهم القتيل بأنه «خائن للوطن»

أصدر الخديو عباس حلمى الثانى أمرا بأن تكون جنازة بطرس غالى باشا رئيس النظار «الوزراء» رسمية، وفقا لأحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوى فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، مضيفا: «فى الساعة العاشرة من صباح 21 فبراير - مثل هذا اليوم - 1910، سارت الجنازة من مستشفى الدكتور ملتون إلى كنيسة بطريركية الأقباط ثم إلى المدفن».
كان أمر الخديو بعد وفاة «غالى» فى الساعة الثامنة والربع مساء 20 فبراير 1910 متأثرا برصاصات إبراهيم ناصف الوردانى ،عضو الحزب الوطنى فى الساعة الواحدة بعد الظهر، حسبما يؤكد شفيق باشا، مضيفا: «فى هذا اليوم نزل بطرس غالى باشا من ديوان الخارجية ومعه حسين رشدى باشا وعبد الخالق ثروت باشا النائب العام، وأحمد فتحى زغلول باشا وكيل الحقانية وأرمولى بك التشريفاتى بالخارجية، ثم فارق من كانوا معه عند السلم الخارجى، وبينما هو يهم بركوب عربته دنا منه الوردانى، متظاهرا برفع عريضة له، وأطلق عليه رصاصتين أصابته إحداهما فى خاصرته، والأخرى فى صدره، وما كاد يلتفت خلفه ليرى صاحب الفعلة حتى أطلق الفتى ثلاث رصاصات أخرى، أصابت إحداهما عنقه من الخلف، واثنتان فى كتفه، وأطلق رصاصة سادسة أصابت ثيابه، وكان خلف القاتل أحد سعاة النظارة فقبض عليه، بينما سقط «الناظر» إلى الأرض أمام عربته، فحمله الحاضرون إلى فناء النظارة، وحضر الدكتور سعد بك الخادم فأخرج الرصاصات من العنق والكتف، وأفاق الجريح قليلا، ثم نقل إلى مستشفى الدكتور ملتون بباب اللوق، وقرر الأطباء إجراء عملية لإخراج الرصاصات الباقية».
يذكر «شفيق» أن الخديو كان فى السراى حين تلقى النبأ، فذهب إلى المستشفى، ودنا من بطرس باشا، وقبله بالدموع ودعا له بالشفاء، وكان الجريح أثناء ذلك يقول: «العفو يا أفندينا.. ميرسي. ميرسى»، ثم غادر الخديو المستشفى، وأجريت عملية لإخراج الرصاص فارتاح الجريح نوعا، ثم عاوده الألم، ولم تأت الساعة الثامنة والربع مساء، حتى أسلم الروح بين بكاء الحاضرين.
كان الوردانى فى الثالثة والعشرين من عمره، ووفقا لشفيق: «تلقى العلوم فى المدارس المصرية حتى حصل على البكالوريا وتوفى والده، فقام بتربيته عمه الدكتور ظفيل حسن باشا، وأرسله إلى سويسرا لتلقى علوم الصيدلة، فمكث فى لوزان سنتين، ثم ذهب إلى إنجلترا فقضى بها سنة وعاد إلى مصر فافتتح بها صيدلية فى شارع عابدين، واتصل بالحزب الوطنى».
يذكر الدكتور محمود متولى فى كتابه «مصر وقضايا الاغتيالات السياسية» أن «الوردانى» بعد القبض عليه سئل عن سبب قتله لبطرس باشا، أجاب: «لأنه خائن للوطن»، واعترف عن نفسه بأنه كاتم أسرار لجنة الحزب الوطنى فى العباسية، وذكرت «الأهرام» فى عدد 22 فبراير 1910، أن رئيس النيابة الذى كان يحقق مع الوردانى، قال له عن بطرس باشا: «يا مسكين لو أنك عرفت أنه أكبر وطنى وأصدق وطنى فى خدمة البلد لما فعلت فعلتك».
ويضيف متولى: «اعترف الوردانى أنه فكر فى ارتكاب الجريمة بعد أن حضر جلسة الجمعية العمومية ولاحظ المعاملة الجافة التى يعامل بها «غالى» الأعضاء، وأنه اعتزم تنفيذ فكرته عند تقديم مشروع مد أجل امتياز شركة قناة السويس، كما أنه كان يذكر لبطرس باشا رئاسته للمحكمة المخصوصة فى دنشواى وقرارها بإعدام أربعة من المتهمين شنقا فى نفس القرية، وتوقيعه اتفاقية السودان «1899» التى تنقص من حقوق مصر».
يذكر متولى، أن الوردانى تم نقله إلى قسم عابدين فى الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر من النظارة التى تم احتجازه فيها بعد جريمته، وكان يسير مرفوع الرأس رابط الجأش وكأنه لم يرتكب إثما، ثم انتقل إلى قسم الموسكى، وبات فيه لأنه أكثر أقسام العاصمة قوة، وقضى ليله هادئا بدون اضطراب، بينما ظل خادمه الذى سجن معه يبكى وينتحب، وينقل «متولى» عن مندوب الأهرام قوله: «شهدت تحقيقات كثيرة وقابلت عدة مجرمين، ولكننى لم أر فى حياتى قط كإبراهيم، مجرما ثابت الجأش طلق اللسان».
تولى النائب العام العمومى ثروت باشا التحقيق، وحسب شفيق باشا: «سئل عدة أشخاص ممن لهم صلة بالجانى، وفى مقدمتهم محمد فريد بك الذى قرر أنه عرف الجانى منذ سنة 1906 فى جنيف، حيث كان أمينا لصندوق جمعية الطلبة المصريين بها، وأن هذه الجمعية أسست لمساعدة الطلبة المصريين الذى يفدون إلى جنيف، وأن علاقته بالقاتل كعلاقته بكل عضو من أعضاء الحزب الوطنى، وفى 25 فبراير أطلق سراح ثمانية من المتهمين، وبقى تسعة منهم الوردانى، ويؤكد متولى: «فى يوم الأربعاء «23 فبراير» بعد الحادث بثلاثة أيام بدأ الضعف يستولى عليه، وبعد أن كان ينكر وجود أية جمعية اعترف بوجودها، ولكنه لم يصرح بأسماء أعضائها، وظل متحملا كل مسؤولية تنتج عن عمله».
Trending Plus