محمود كرم يكتب: إسرائيل ومخطط الهجرة الطوعية

تتجلى الأحداث السياسية والإنسانية في منطقة الشرق الأوسط بصورة معقدة، إلا أن قطاع غزة يمثل حالة استثنائية تستدعي الوقوف عندها، حيث تشير الأرقام أن قوات الاحتلال ألقت نحو 100 ألف طن من المتفجرات على القطاع، الأمر الذي أدى إلى تدمير نحو 90% من بنيته التحتية، مما جعله غير صالح للحياة.
وتسعى إسرائيل منذ عقود إلى إفراغ قطاع غزة من الفلسطينيين وتغيير التركيبة السكانية لصالح المستوطنين، وتنتهج دولة الاحتلال في هذا الشأن سياسة مدروسة، تهدف إلى تسويق فكرة الهجرة كاختيار طوعي للفلسطينيين، بينما هي في الحقيقة تُجبرهم على مغادرة وطنهم عبر خلق بيئة غير صالحة للحياة وخلق ظروف صعبة لا تُحتمل، يُظهر هذا الأسلوب كيف يمكن للصراعات السياسية أن تؤثر بشكل عميق على حياة الأفراد وتوجهاتهم؟.
لاشك أنه بعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار في غزة، أظهر الفلسطينيون إرادة قوية وعزيمة لا تتزعزع للعودة إلى الشمال رغم الأضرار الهائلة التي نجمت عن الصراع، تظهر هذه العودة روح المقاومة والصمود التي يتمتع بها الشعب الشقيق، فبالرغم من الخراب الذي أصاب المنازل والبنية التحتية، يظهر الأهالي تصميمًا على إعادة بناء حياتهم في وطنهم، حيث يعتبر هذا التمسك بالأرض جزءًا من الهوية الوطنية والانتماء، ومع كل هذه الإرادة يظل الوضع في غزة كارثية مما يزيد حالة الإحباط التي يعيشها السكان، الأمر الذي من الممكن أن يسهم في دفع البعض إلى النظر في خيار الهجرة، هذه الفكرة التي كانت في السابق تُعتبر بعيدة المنال، باتت تبدو الآن كوسيلة للهروب من واقع مرير.
وفي هذا السياق، يتبادر إلى الأذهان تساؤل مهم: هل يتشكل هذا الخيار كخيار فردي ناتج عن ظروف معيشية صعبة، أم أنه جزء من مشروع تهجير قسري يُفرض على السكان تحت وطأة الحرب والسياسات الممنهجة؟.
لعل الخيار الفردي يأتي نتيجة لرغبة بعض الأفراد في البحث عن حياة أفضل، بعيدًا عن مخاطر الحرب وآلام النزاع، ولكن من ناحية أخرى، فإن الوضع يتطلب تأملًا أعمق، إذ إن هناك عناصر قد تشير إلى أن هذه الهجرة ليست مجرد مسألة اختيار فردي، بل هي نتيجة لضغوط سياسية واقتصادية تُمارس على القطاع، تهدف إلى إفراغه من سكانه الأصليين.
الموقف العربي
تدرك الدول العربية على رأسها مصر والسعودية، هذا المخطط وتتعامل معه بحزم، حيث أعلنت رفضها القاطع لأي مخططات تهدف إلى تهجير أهالي غزة أو انتزاع حقوقهم التاريخية في أرضهم، كما أكدت على أهمية دعم غزة وإعادة إعمارها كوسيلة لمساعدة الفلسطينيين للبقاء في أرضهم ومنع الهجرة.
وشهدت مدينة الرياض اليوم لقاء تشاوريًا بالغ الأهمية يضم مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، حيث يهدف إلى بلورة موقف عربي موحد يعكس الرؤية المصرية لمواجهة هذه المخططات والتأكيد على الحقوق الوطنية الفلسطينية، هذا المقترح سيعرض لاحقًا على القمة العربية في القاهرة، التي ستكون محطة مفصلية في صياغة موقف عربي يواجه المخطط الصهيوني.
الخلاصة أن مواجهة المخططات التصفوية التي تستهدف هذه القضية، تتطلب وعيًا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا شاملاً، إن الوعي هنا لا يقتصر فقط على إدراك حق الفلسطينيين في أرضهم، بل يمتد ليشمل ضرورة تعزيز صمودهم ودعمهم في مواجهة التحديات المتزايدة التي يواجهونها.
Trending Plus