سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 فبراير 1965.. القبض على «سيجموند لوتز» جاسوس الموساد الإسرائيلى لتعقب العلماء الألمان فى القاهرة الذى أخفى نشاطه تحت ستار «مربى خيول»

كان الألمانى «ولفاجانج سيجموند لوتز» يواصل نشاطه فى القاهرة جاسوسا لإسرائيل، وكانت عيون المخابرات المصرية تتابع نشاطه الذى أخفاه تحت ستار أنشطة تجارية واجتماعية، حتى تم القبض عليه فى ليلة 22 فبراير، مثل هذا اليوم، عام 1965، حسب ما ذكرته جريدة «أخبار اليوم» فى تغطيتها الموسعة حول هذا الموضوع فى عددها الصادر يوم 6 مارس 1965.
كانت هذه القضية من قضايا التجسس المهمة التى نشطت فيها إسرائيل ضد مصر فى ستينيات القرن الماضى، وحملت أبعادا كثيرة تتركز فى محاولات إسرائيل للقضاء على طموح مصر فى اقتحام الصناعات العسكرية، خاصة فى مجال الصواريخ الذى اجتذبت لأجله مجموعة من العلماء والخبراء الألمان سرا فى عام 1957، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمود مراد فى كتابه «الحرب الخفية.. قصة العلماء الألمان فى مصر».
يذكر «مراد» أن هؤلاء العلماء الألمان قاموا بصناعة السلاح فى ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد هزيمتها تفرقوا فى شتى بقاع الأرض، وتسابقت دول كثيرة فى مقدمتها أمريكا لاجتذابهم، ويؤكد «مراد»: «كان من بين هؤلاء، وولفانج بيلز، وهو الساعد الأيمن لـ«براون» أبوالصواريخ الألمانية الذى اجتذبته أمريكا»، ويضيف، أنه مع استقدام «بيلز» وآخرين، نشطت حركة مجالات البحث العلمى المصرى، فتوسعت الدراسات العلمية، وتم إيفاد بعثات متخصصة للخارج، وإنشاء مراكز وهيئات للبحث العلمى ومنها المركز القومى للبحث العلمى».
فى الجهة المقابلة، كانت إسرائيل ترصد ما يحدث فى هذا النشاط بمصر، وتخطط بكل الطرق لمقاومته، وكان الجاسوس «لوتز» أحد وسائلها، وحسب «مراد»: «وصل لوتز إلى ميناء الإسكندرية يوم 7 يناير 1961، حاملا جواز سفر باسم «وولفجانج سيجموند لوتز»، ومهنته «مدرب خيول» وجنسيته ألمانيا الغربية «كانت ألمانيا دولتين، شرقية، وغربية»، وفى سيرته المصطنعة، أنه كان ضابطا فى جيش النازى الألمانى، واختفى بعد هزيمته فى الحرب العالمية الثانية، وعمل مدربا للخيول وجمع ثروة طائلة، ويريد أن يجرب حظه فى حياة جديدة فى مكان جديد».
أما سيرته الحقيقية فكانت وحسب «مراد»: «ولد من أب ألمانى وأم يهودية ممثلة درجة ثانية، لكن الأب هجرها وعمر الابن 11 عاما، فهاجرت إلى إسرائيل ومعها ابنها، وفيما بعد التحق بالجيش الإسرائيلى، وأصبح ضابطا فى حرب 1948، وانتقل إلى المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، وبين الحقيقة والتزييف جاء «لوتز» إلى مصر جاسوسا لممارسة نشاطه ضد العلماء الألمان.
وفى عملية تجهيزه وتأهيله، حدث تعاون بين «الموساد» والمخابرات الألمانية التى دربته على كيفية الحياة باعتباره مواطنا ألمانيا، وزودته بخبرة عن الحياة الألمانية بعد أن تعرضت للتآكل، لهجرته الى إسرائيل وعمره 11 عاما، ولما اكتسب مهاراته الجديدة التى تؤكد «ألمانيته» جاء إلى القاهرة، ليستقر فى فيلا بشارع الهرم مع زوجته «مارتا»، التى اقترن بها لأغراض «جاسوسية» وبموافقة من «الموساد».
يؤكد «مراد» أن «لوتز» تردد على نادى الفروسية بالجزيرة، وتعرف على الكثير من أبناء الجالية الألمانية فى مصر، ولأنه يقدم نفسه كهاو ومدرب للخيول، تعرف على مصريين من محبى الخيول وأصبح من نجوم هذه المجتمعات، واشترى 5 خيول بإجمالى 1500 جنيه «مبلغ كبير وقتها» من السيدة وجدان البربرى، وعلى الشريعى، وأحمد حمزة، ومن مزاد علنى، كما أستأجر مساحة من عزبة يربى فيها خيوله، أما مهمته السرية طبقا لتكليف الموساد فكانت «من هم العلماء الألمان فى مصر؟ وأين يقيمون؟ وما هى مفاتيح شخصياتهم؟ وهل لديهم نقاط ضعف لاستغلالها؟ ما هى تحركاتهم ومتى؟ وأين يعملون؟».
كانت الحفلات الكثيرة التى يقيمها وسيلة للحصول على المعلومات التى يريدها، خاصة تحت تأثير الخمور، وأطلقوا عليه فى إسرائيل لقب «جاسوس الشمبانيا»، ومن عملياته أنه أرسل طرودا مفخخة إلى العلماء الألمان بمقر إقامتهم بالقاهرة من مكاتب بريدية مختلفة، لكنها لم تصب أيا منهم لشكهم فيها والإبلاغ عنها، لكن أحدها أصاب مصريين.
فى 22 فبراير 1965 تم القبض عليه، وفى 5 مارس 1965 أعلن المتحدث الرسمى باسم جهاز المخابرات، إبراهيم البغدادى، الخبر فى مؤتمر صحفى، ولهذا هناك من يذكر أن يوم 5 مارس هو تاريخ القبض عليه، وبدأت محاكمته لتنتهى فى 21 أغسطس 1965 بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبسجن زوجته 3 سنوات.
يؤكد «مراد»: «وافقت مصر على الإفراج عنهما ضمن عملية لتبادل الأسرى مع إسرائيل، وفى 4 فبراير 1968 استقلا من مطار القاهرة الطائرة رقم 674 لوفتهانزا المتجهة إلى ميونيخ، غير أنهما نزلا فى العاصمة اليونانية أثينا، وبترتيب من الموساد استقلا طائرة شركة العال إلى لندن بمصاحبة رجال الموساد، وابتاعوا لهما ملابس جديدة، وبعد أيام للنقاهة، سافرا إلى تل أبيب وعاشا فى منزل بأحد ضواحيها، ليكتب لونز تقريرا مفصلا عما حدث، وتعلن مارتا اعتناقها اليهودية، حسب طقوس خامات إسرائيل، وحسب طقوسهم أيضا أعيد زواجها دينيا».
Trending Plus