من أول إنسان عربي غنى على العود؟

الموسيقى فن جميل عرفه الإنسان منذ بداية خلقه، كان يسمعه في الطبيعة، ثم أنطق هو الطبيعة بما يشاء، فصنع الآلات وعدد الألحان، والعرب لم يكونوا غريبين عن ذلك، فماذا عن فن الموسيقى عندهم.
يقول كتاب "الموسيقى والغناء عند العرب" لـ أحمد تيمور باشا:
علم الألحان عند العرب:
أما العرب فإن علم الألحان قديم عندهم، أو هو مرافق لنظم الشعر؛ لأنهم يقولون: "إن العرب إنما جعلت الشعر موزونًا لمدِّ الصوت فيه والدندنة، ولولا ذلك لكان الشعر المنظوم كالخبر المنثور، وأما الآلات الموسيقية فربما كان عندهم البسيط منها كالمزمار والطبل والنفير، وأما العود والقانون فقد أخذهما العرب عن الفرس أو الروم في صدر الإسلام، وهاموا بهما وبالغناء كثيرًا حتى كان ما نسمعه عن الرشيد ومجالس الغناء عنده".
وقد نظم شعراء العرب في صدر الإسلام أبياتًا كثيرة في مدح العود وغيره، وقام في صدر الإسلام علماء اشتغلوا في فن الموسيقى وألَّفوا فيه كتبًا، أشهرهم أبو نصر محمد خان الفارابي التركي، الفيلسوف المشهور صاحب التصانيف في المنطق والموسيقى وغيرهما (تُوفي سنة ٣٣٩ﻫ) وكان كثير البراعة في الموسيقى وضرب الآلات.
ومما يُحكى أنه حضر في مجلس سيف الدولة في دمشق، فأراد سيف الدولة إكرامه، فأمر بإحضار القيان، وكل ماهر في صناعة ضرب الألحان، فلم يحرِّك أحد منهم آلة إلَّا عابه الفارابي، وقال له: أخطأت. فقال له سيف الدولة: هل تُحسِن في هذه الصنعة شيئًا؟ فقال: نعم. ثم أخرج من «وسطه» خريطة، ففتحها وأخرج منها عيدانًا وركبها، ثم لعب بها فضحك منها كل من كان في المجلس، ثمَّ فكَّها وغيَّر تركيبها، وضرب بها ضربًا فبكى كل من كان في المجلس، ثمَّ فكَّها وغيَّر تركيبها، وضرب بها ضربًا آخر فنام كل من في المجلس حتى البواب، فتركهم نيامًا وخرج …
ويقال أيضًا إن "القانون" إنما هو من صنع "الفارابي المشار إليه"، وهو أول من ركَّبه على الأسلوب الذي هو عليه.
الموسيقى وأصول الألحان
في "محاضرة الأوائل ومسامرة الأواخر" ص189، الفصل الثاني والثلاثون، في الأوائل المتعلِّقة بالغناء والحداء وما يتعلَّق بهما، قال المؤلف: أول من وضع علم الموسيقى وأصول الألحان فيثاغورث الهرمس، أدرك بالقوة الذهنية حركات الأفلاك، فاستمع الأصوات، ورتَّب الألحان الثمانية، بحسب الأدوار الفلكية وأصواتها.
وفي "تاريخ الحكماء": إن أول من وضع العود للغناء «لامك بن قابيل بن آدم، عليه السلام» وبكى به على والده، ويقال إن صانعه «بطليموس الحكيم» صاحب الموسيقى أو كتاب اللحون الثمانية.
وفي "بهجة التواريخ": أول من غنَّى من العرب قينتان يُقال لهما «الجرادتان»، ومن غنائهما حين حبس الله عنهما المطر:
ألا يا قيلُ وَيْحك قمْ فهينمْ لعل اللهَ يُصبحُنا غماما
ذكره صاحب "المستطرف"، وأول من غنى في الإسلام الغناء الرقيق «طويس»، وكان أصله من اليمن وهو الذي علَّم الغناء "ابن سريج"، وقيل: أول من تغنى "جرادة بن جدعان" وقيل غيره، أخذ من أهل الفرس أيام الزبير، وكانوا يبنون المسجد الحرام، ويتغنَّون بالفارسية فقلبه بالعربية ابن سريج.
أول من غنى على العود
أما أول من غنى من العرب على العود، فقد ذكر الإمام العالم الفاضل جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري في ص127 من كتابه "مسرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون"، أن النضر بن الحارث بن كلدة هو أول من غنَّى من العرب على العود بألحان الفرس، وذلك حين وفد على «كسرى» بالحيرة؛ فتعلم ضرب العود والغناء، ثم قَدِم مكة فعلَّم أهلها.
وفيه أن أول من غنى في الإسلام بألحان الفرس "سعيد بن مسجح"، وقيل "طويس". وذلك أن عبد الله بن الزبير لما وَهى بناء الكعبة رفعها وجدَّد بناءها، وكان فيها صناع من الفرس يغنون بألحانهم، فوقع عليها ابن مسجح — الغناء العربي — ثم دخل إلى الشام فأخذ الألحان عن الروم، ثم دخل إلى فارس فأخذ الغناء وضرب العود، واتبعه من بعده، وبُدئ هذا العلم ببطليموس، وخُتم بإسحاق بن إبراهيم الموصلي.
Trending Plus