صوت الكنيسة الحى بين الأرض والسماء.. الترانيم الكنسية رحلة تسبيح خالدة تجسد الإيمان وتعزز الهوية المسيحية الأرثوذكسية.. ورسالة محبة وتعزية عبر الأجيال.. وهذا دور كورال مار إفرام السريانى بالقصيرين

في قلب الكنيسة، حيث تتعالى الأصوات لتصل إلى السماء، يظهر التسبيح كأعمق تعبير عن الإيمان والمحبة، ليس مجرد ألحان تُردد أو كلمات تُغنى، بل هو حياة تُعاش ورسالة تُحمل بين القلوب. كورال مارإفرام السرياني لا يعتبر فقط مجموعة من الأصوات المتناغمة، بل هو كيان روحي يسعى لنقل رسالة الأمل، التعزية، وتعزيز الهوية القبطية الأرثوذكسية، وترسيخ الإيمان المسيحي المستقيم عبر الأجيال.

وفي هذا التقرير، نستعرض مع مينا نصر قائد كورال مارإفرام السريانى، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، رؤيته العميقة لدور الترانيم فى حياة الكنيسة، وكيف أصبحت وسيلة تثبيت للعقيدة ونشر للرسالة الروحية، وكيف يوازن بين التطوير الموسيقي والحفاظ على الهوية الأرثوذكسية.

الترانيم والكورال رسالة حية وفعالة

أوضح مينا نصر أن الكورال ليس مجرد نشاط كما يعتقد البعض، بل هو خدمة متكاملة تعادل في قيمتها أي خدمة أخرى تُقدم داخل الكنيسة: "منذ صغرنا تعلمنا في الكنيسة كيف نسبح ونرنم، لأن الكنيسة ليست مجرد مؤسسة دينية، بل أيضًا مؤسسة روحية واجتماعية، أهمية التسبيح تكمن في كونها عملًا مستمرًا حتى بعد انتهاء الحياه الأرضية، لأن الحياة في السماء ستظل تسبيحًا بلا انقطاع، دون اجتماعات أو مواعظ أو مؤتمرات".
 
أكد نصر أن للكورال تأثيرًا بالغًا على الروح والفكر، موضحًا أن البعض قد يجد صعوبة في الصلاة من خلال الأجبية، لكنه يستطيع أن يُصلي من قلبه عبر الترانيم: "الترنيمة قد تكون أحيانًا أكثر تأثيرًا من موعظة كاملة، إذ يستطيع الإنسان أن يجد فيها رسالة الله له، ويشعر أن كلماتها كُتبت خصيصًا له". 

كما برز مينا نصر الدور التربوي للترانيم في غرس المفاهيم الدينية، مؤكدًا: "الترنيمة يمكن أن تختصر الكثير من الشرح والتفاصيل، قصص الكتاب المقدس تُعرض بشكل بسيط وجذاب في ترانيم مثل شريط "قصاقيص" الذي حول قصص الكتاب المقدس إلى ترنيمة، فهي قادرة على توصيل رسالة حية وفعالة في وقت قليل ".

وأشار إلى أهمية اختيار الكلمات بعناية لتكون تعبيرًا صادقًا عن الإيمان: "الترنيمة التي تُكتب بروح الصلاة والعلاقة الحقيقية مع الله يمكن أن تلمس القلوب وتغير النفوس. كترنيمة "أصليله" لكورال قلب داود التي انتشرت بين المسيحيين وغير المسيحيين على حد سواء، وترنيمة "وفيما أظنه لا يستجيب" رنمها العالم كله وحتى الاطفال مع أنها لغة عربية فصحى".

كورال مارإفرام السرياني

رحلة كورال مارافرام السريانى

تعود بدايات كورال "مارأفرام السريانى" إلى عام 2009، موضحًا مينا نصر، قائد الكورال: "من البداية كان هدفنا واضحًا، هو تأسيس أسرة روحية تعمل على خدمة كل ما يتعلق بالتسبيح داخل الكنيسة"، تشمل خدمة الكورال في الكنيسة جميع الفئات العمرية، من الأطفال في المرحلة الابتدائية وحتى الخريجين والأمهات والمكفوفين. موضحًا أن أحد التحديات التي واجهت الكورال كان صعوبة تحريك الكورال بأعداد كبيرة، لذا اتجهوا لاختيار أفضل العناصر لتشكيل فرقة أصغر خاصة. كما أن تسميه الكورال باسم مارإفرام السرياني، فهو شاعر وفليسوف لقب بـ" قيثارة الروح القدس"، نظرًا لدوره البارز في الرد على الانتقادات الموجهة للكنيسة من خلال الترانيم.

مارينا ظريف أيقونة التسبيح وأثرها الخالد

وأوضح نصر: "بدأنا أولى حفلاتنا عام 2011، واستمررنا في التوسع حتى عام 2015، مع أول ألبوم "ساكن في علاه"، كان له صدى كبير من الناس فبدأنا في الألبوم الثاني "هيستجيب"، وأصبحت تلك الترنيمة تريند على آلسنة جميع الناس، حيث لعبت مارينا ظريف دورًا كبيرًا في انتشار الكورال، فكان لصوتها المميز وتأثيرها الروحي العميق أثر كبير في جذب الناس إلى خدمة التسبيح".

لم يكن تأثير مارينا ظريف مقتصرًا على صوتها فقط، بل امتد ليشمل قصتها الملهمة، إذ واجهت مرض الفشل الكلوي بشجاعة، وكانت رمزًا للإيمان والثبات رغم معاناتها: "مارينا كانت تحمل صليب المرض، لكنها كانت تسبح من قلبها، مما جعل تأثيرها مضاعفًا".

علاقة البابا تواضروس الثاني بكورال مارإفرام السرياني

منذ عام 2015 بدأ الكورال بإصدار ألبومات سنوية وصلت حتى الآن إلى ستة ألبومات خلال سبع سنوات، تضم ترانيم أصبحت معروفة في معظم الكنائس، مثل: هيستجيب، وفيما اظنة لا يستجيب، ولسة يا عدرا بتحني، 2 أبريل، اللي عنده أب زيك، وقت الصلاة. فانتشر الكورال وأصبح جزءًا من فعاليات كبرى مثل مؤتمرات شباب "لوجوس" التي تُقام برعاية قداسة البابا تواضروس الثاني، سواء على المستوى الوطني داخل مصر أو الدولي للشباب القبطي في الخارج: "الكورال أصبح يُمثل الكنيسة في العديد من المناسبات الرسمية مثل احتفالات لوجوس، والأعياد الكبرى مثل عيد جلوس البابا تواضروس 10 و 12، عيد الميلاد والقيامة، فعلاقة كورال مارإفرام السرياني بقداسة البابا هي علاقة محبة".

التسبيح رسالة تعزية تلامس القلوب

يرى مينا نصر، أن التسبيح هو حالة روحية عميقة تنقل الإنسان من عالمه الأرضي إلى الوجود مع الله: "التسبيح يأخذ الإنسان من الأرضيات إلى السماويات، هو لغة تواصل مع الله.. والهدف ليس بروز الأفراد بل اختفاؤهم خلف رسالة التسبيح، ليبقى المجد كله لله".  فمن بين الأهداف الأساسية التي يعمل عليها الكورال الكنسي، تقديم رسالة تعزية لكل من يستمع إلى الترانيم.

كسر النمط التقليدي من الحزن إلى الرجاء

تحدث نصر عن التحدي الذي واجهه الكورال في تقديم ترانيم تختلف عن النمط التقليدي السائد في معظم الترانيم، والذي غالبًا ما يميل إلى الحزن: "لاحظنا أن الكثير من الترانيم تحمل طابعًا حزينًا، لذا قررنا أن نقدم ترانيم تركز على استجابة الله للصلوات، وحبه غير المشروط، وتعزياته التي يرسلها في أصعب الأوقات، الفرح برجاء الله".

كورال مارإفرام السرياني بكنيسة العذراء القصيرين

الترانيم رسائل خالدة تعبر الأجيال وتثبت الإيمان

يرى مينا نصر، أن قوة الترانيم لا تكمن فقط في كلماتها أو ألحانها، بل في قدرتها على البقاء والتأثير حتى بعد مرور سنوات طويلة على تأليفها: "الترنيمة الحقيقية هي التي تعيش معنا رغم مرور الزمن، حتى بعد رحيل من كتبها ولحنها وغناها. فلدينا تراث من الترانيم التي لا تزال تترنم في الكنائس وتلمس القلوب".

وأضاف نصر أن تأثير الترانيم وفعاليتها، من خلال الاستشهاد بحادثة شهداء ليبيا التي هزت مشاعر العالم. يقول: "المشهد الذي لا يُنسى للشهيد عصام بدار، حين كان يقف ثابتًا ورافعًا عينيه نحو السماء، رغم أنه كان يواجه الموت، كان مليئًا بالشجاعة والثبات". مضيفًا: "لو طبقت كلمات ترنيمة تراثية قديمة تدعى "ثبت أنظارك فيه" كانت كلمات هذه الترنيمة تتجسد في هذا المشهد بالفعل. وكأن الترنيمة كُتبت تحديدًا لهذا الحدث".

كورال كنيسة العذراء مريم بالقصيرين

حالة روحية تلامس قلوب الجميع

يتمثل نجاح أي خدمة تسبيح في القدرة على التواصل العميق مع مشاعر الناس وتلبية احتياجاتهم الروحية: "التفاعل مع الترانيم يتمثل في فهم عميق لمن نخدمهم. فعندما نقدم ما يناسب قلوب الناس، نجد استجابة صادقة وتفاعلًا حقيقيًا، ليس كل شخص يتأثر بعظة، لكن الكل يمكن أن يلمسه لحن صادق أو ترنيمة نابعة من القلب".

يعتمد الكورال في نجاحه على فهم الفئات العمرية المختلفة وتقديم ما يناسب كل منها: "لو كنت أخدم كبار السن، سأقدم لهم ترانيم تقليدية يحبونها، لكن مع الشباب، لا بد من لغة مختلفة؛ لغة قريبة منهم، تناسب اهتماماتهم وتفكيرهم". مضيفًا: "اليوم نعيش في عصر السوشيال ميديا، لذا أصبح من الضروري تقديم الترانيم بشكل عصري يجذب الشباب، نستخدم أنماط موسيقية حديثة وآلالات موسيقية قريبة من ذوقهم، مع إضافة لمسات بصرية مثل التصوير والمونتاج.. نحن ندرس احتياجات كل فئة ونعمل على تلبيتها، هدفنا هو أن يكون الكورال فاهمًا لجمهوره، يعرف ما الذي يحرك قلوبهم، ويقدم لهم ترانيم تلمس مشاعرهم بصدق".

الترانيم وسيلة للفهم والحفاظ على الهوية والإيمان المسيحي الأرثوذكسى

أكد مينا نصر، أن الترانيم تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية المسيحية الأرثوذكسية وتعزيز الإيمان المستقيم، وسيلة تعليمية وروحية عميقة تثبت العقيدة وتنقل التراث الكنسي للأجيال المتعاقبة، فهي أداة فعالة لتثبيت الإيمان الأرثوذكسي المستقيم، مستشهدًا بترنيمة "2 إبريل"، الذي حكت معجزة ظهور السيدة العذراء مريم بالزيتون، وأصبح العالم بأجمعه يرددها.

أضاف نصر: "فهم الطقس والعقيدة، عن طريق تقديمه في شكل ترنيمة تحكي القصة بشكل مبسط وجذاب، وعلى سبيل المثال، ترنيمة "كنيستي كنيستي يا بيتي"، التي تشرح مفهوم المعمودية، أحد أسرار الكنيسة السبعة، وتفتح الباب أمام المستمعين للبحث والتعمق في فهم هذه الأسرار".

كورال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

الفرق بين الترانيم والتسبيح

أشار نصر إلى أن الفارق الجوهري بين الترانيم والتسبيح، حيث يقول: "التسبيح هو كل ما يمجد اسم الله مباشرةً". أما الترانيم فهي تعبير عن مشاعر إنسانية في شكل روحي: "الترنيمة قد تعبر عن الشكر، الطلب، أو حتى اختبار شخصي مع الله"، مضيفًا "نقدم وجبة روحية دسمة، لكن في شكل عصري يناسب تفكير الشباب".

معايير اختيار المرنمين.. توازن بين الموهبة والحالة الروحية

يعتبر اختيار المرنمين وتوزيع الأدوار داخل الكورال ليس مجرد عملية فنية بحتة، بل هو توازن دقيق بين المهارات الصوتية والحالة الروحية لكل عضو: "التسبيح ليس مجرد أداء صوتي، بل هو رسالة روحية، لذلك نحرص على اختيار من يستطيع أن يقدم هذه الرسالة بصدق وإيمان"، لافتًا: "كل شخص يتم توظيفه في الترانيم التي تناسب مساحته الصوتية، قد يكون صوت شخص جميل، لكن لا يناسبه أداء ترنيمة معينة لأنها خارج نطاق صوته، وهنا يأتي دور قائد الكورال في توظيف الأصوات بالشكل الصحيح".

أسرة التسبيح

الحالة الإيمانية للمرنم وتدريب وتطوير المواهب

رغم أهمية الصوت، أكد نصر أن الحالة الروحية هو الأساس في اختيار أعضاء الكورال حتى يقدم رسالة تعزية حقيقية: "المرنم هو خادم قبل كل شيء، سواء كان يؤدي صولو أو يقف ضمن الكورال. لا فرق بينهم فالجميع يقدمون تسبيحًا لله"، مشيرًا نصر إلى أن الموهبة الصوتية وحدها لا تكفي دون تدريب وتطوير: "هناك أشخاص قد لا يكون صوتهم قويًا في البداية، لكن مع التدريب المستمر يمكنهم تحسين أدائهم بشكل كبير، فالصوت الجميل هو موهبة من الله".