عمار محسن يكتب: كيف أصبحت أم كلثوم جزءًا من وجدان الشعب المصرى؟

سؤال يبدو فلسفيًا إلى حد ما، لكن إجابته أبسط مما قد تتخيل، فلو توقفت بالشارع لتسأل أى شخص عن كوكب الشرق السيدة أم كلثوم لأجابك بكل سهولة عن أشهر أغانيها، وماذا يحب أن يسمع لها وما لا يحب.
رغم مرور حوالى 50 عاما على وفاتها منذ عام 1975، فإنه ومع مرور السنوات تظل أغنيات الست موجودة فى الحارة المصرية البسيطة، خاصة مع دخول الليل على المقاهى، تجد صوتها يخرج من أحد الأركان، وكأنها تونس من يريد أن يسمعها ويلتقط كلماتها بكل شجن.
غنت أم كلثوم لكل الفئات والطبقات، فجعلت من دواوين الشعر أبيات يتغنى بها العامة والمثقفون مثل قصيدة «أراك عصى الدمع» للشاعر العربى أبى فراس الحمدانى، وغنت لحافظ إبراهيم «مصر تتحدث عن نفسها» وغيرهما، وغنت للحب بكل حالاته من فرح وحزن واشتياق ولوعة وفراق مثل «الأطلال، وهو صحيح الهوى غلاب، وسيرة الحب، والحب كله» وغيرها الكثير، كما غنت بالعامية المصرية «ألف ليلة وليلة» وغنت لبلادها أغانى وطنية كثيرة.
ولا ننسى من ضمن أسرار نجاح أم كلثوم أنها غنت لأكثر من خمسين شاعرا، ويعد شاعرها الأكبر أحمد رامى، صاحب نصيب الأسد فى التعاون معها فى أغنيات مثل «البعد طال»، و«إن حالى فى هواها»، و«زارنى طيفك فى المنام»، و«سكت والدمع تكلم»، و«صحيح خصامك ولا هزار» وغيرها، يليه بيرم التونسى الذى قدمت معه «شمس الأصيل»، و«الحب كدة»، و«هو صحيح الهوى غلاب»، و«القلب يعشق كل جميل»، وتعاونت أيضا مع العديد من الشعراء العرب، منهم الأمير عبدالله الفيصل الذى غنت له «ثورة الشك»، و«من أجل عينيك» وجورج جرداق «هذه ليلتى»، والهادى آدم «أغدا ألقاك»، ونزار قبانى «أصبح عندى الآن بندقية»، و«رسالة»، وغنت لأمير الشعراء أحمد شوقى «الملك بين يديك»، و«عيد الدهر»، و«سلوا كؤوس الطلا»، و«نهج البردة»، و«ولد الهدى»، و«النيل» وغيرها، أما الشاعر صلاح جاهين فغنت له 4 أغنيات وطنية، هى «الله معك» و«والله زمان يا سلاحى»، و«محلاك يا مصرى» ، و«ثوار لآخر مدى».
فى زماننا هذا، إذا أراد شخص ما أن يغنى حسنا فلنعد له اختبارًا من أغنيات أم كلثوم، ولنستمع له، فهى المرجع لمدى جمال وجودة الصوت، وتظل أغنياتها تتغنى فى المحافل المصرية والعربية، وازدادت شهرة بعض المطربات حاليا لمدى روعتهن فى تقديم أغانى الست أم كلثوم على مسرح دار الأوبرا المصرية، مثل «ريهام عبدالحكيم وآمال ماهر ومى فاروق وريم كمال ومروة ناجى» وغيرهن.
أم كلثوم كانت حالة استثنائية فى الأمة العربية بأكملها، فهذه الفتاة البسيطة ابنة الريف والقرى والموالد، حافظة القرآن، صارت ظاهرة فريدة فى تاريخ الغناء بمصر والعالم العربى، تستقبل فى كل دول العالم استقبال الملوك، لكنها ظلت حتى رحيلها ابنة القرية المنتمية إلى جذورها، لا تغيب عنها أبدًا، وكما كان الانتماء للقرية كان الانتماء لمصر والوطن العربى.
أختم الحديث عن كوكب الشرق ببضع كلمات كتبها الكاتب الصحفى أنيس منصور عنوانا من 4 كلمات فى مجلة آخر ساعة بعد وفاتها عام 1975 قائلا: «الموت لا يطفئ الشمس» مع صورة أم كلثوم تتصدر غلاف المجلة، وكأنه يعلم أن شمس كوكب الشرق لن تغيب أبدًا حتى بعد وفاتها.
Trending Plus