علا الشافعى تكتب: كل الأيام اليوم السابع.. 5000 حكاية

مرت الذكريات سريعًا حينما أخبرنى الصديق العزيز والزميل الأستاذ بهاء حبيب، بنبرته الهادئة: «يوم الخميس، السادس من فبراير، سيصادف العدد 5000 من الإصدار اليومى لجريدة اليوم السابع».
ثلاثة عشر عامًا وبضعة أشهر مضت على ميلاد العدد الأول اليومى، والذى سبقه إصدار أسبوعى كان استثنائيًا فى أثره، ومبهرًا فى صداه، لما احتواه من نجوم كانت حاضرة بقوة فى الوسط الصحفى، ومواهب صارت الآن فى مقدمة الصفوف.
بوتيرة سريعة امتزجت فى ذهنى لحظات الفرح بتلك التى يسكنها الألم، واختلطت ذكريات الماضى بتحديات المستقبل، قبل أن يعيدنى صوت «بهاء» والزميلة الدكتورة شيريهان المنيرى وهما يتابعان: «نريد الترتيب جيدًا لإصدار عدد خاص نقدم من خلاله للقارئ ـ شريكنا الأول وهدفنا الأخير ـ كشف حساب، نوثق على صفحاته تجربتنا الإنسانية والصحفية، ونجدد من خلاله العهد بأن نظل كما كنا، كلمة نور مهما كانت الظلمة قاتمة، ورسالة أمل مهما علت أصوات المحبطين والمشككين».
غادر «بهاء» وقد غلب الحماس كلانا، لأتذكر كيف كانت البدايات الطموحة والفكرة الواعدة من المؤسس الزميل خالد صلاح، الذى أتشرف بأن يشاركنا فى كتابة التاريخ على صفحات هذا العدد الذى بين أيديكم. غادر بهاء وأنا أتذكر كيف استطاعت «اليوم السابع»، بما امتلكت من قامات كبرى ومواهب شابة، أن تظل فى كل مراحلها وإصداراتها، من موقع إلكترونى وإصدار أسبوعى ورقى ثم يومى، مرورًا بأول تليفزيون رقمى، أن تظل منافسًا صعب المنال، ورقمًا استثنائيًا فى معادلة الصحافة العربية على امتداد خرائط الإقليم وتعدد مدارس الإعلام.
منذ اللحظة الأولى لانطلاق «اليوم السابع»، كانت الحكايات هى المحرك الأساسى لما نقدمه، أو على الأقل هذا ما أظن أننا انطلقنا منه، فالصحافة لم تكن بالنسبة لنا نقلًا جافًا للأحداث، وإنما وسيلة لسرد القصص التى تمس حياة الناس، تلك اللحظات التى تشكّل الحياة اليومية وتعكس مشاعر وأحلام وطموحات البشر. فى كل عدد، كان هناك شىء من الناس وللناس: أفراحهم، أحزانهم، تحدياتهم، وانتصاراتهم الصغيرة والكبيرة، حتى لحظات الإحباط، وكذلك تأصيل الجذور والعائلات.
خلال خمسة آلاف يوم، لم نكن مجرد ناقلين للأخبار، بل كنا جزءًا من الحكاية التى نرويها، نكتب عن شخصيات قد نلتقى بها فى الشارع، نسمع عن قصصهم فى المقاهى أو عبر منصات التواصل الاجتماعى، ونشاركهم تفاصيل يومهم. حمل كل عدد فى طياته وجوهًا تبتسم، وعيونًا تدمع، وأحداثًا تترك أثرًا عميقًا فى قلب المجتمع. وأبطال الحكاية: كم بينهم من نجوم المجتمع، ومن ضمنهم بسطاء يكافحون ليرسموا ملامح بطولاتهم الخاصة التى تستحق أن تُروى.
كان كل يوم فرصة لنروى حكاية جديدة، وربما كانت تلك الحكايات هى ما جعلت «اليوم السابع» تنمو وتستمر. والآن، ونحن نحتفل بالعدد 5000، نعود إلى تلك اللحظات التى عشناها مع كل قصة، مع كل تحدٍّ، ومع كل قارئ وثق فينا ليكون جزءًا من الحكاية التى بدأناها معًا.
وصول «اليوم السابع» إلى العدد 5000 ليس مجرد رقم، بل هو شهادة على رحلة طويلة من الالتزام بالخبر والمصداقية. خلال هذه السنوات، غطّت الجريدة أحداثًا فارقة، وقدمت تحقيقات وتقارير كان لها بصمة فى المشهد الصحفى. لم نكن مجرد ناقلين للأخبار، بل سعينا دائمًا لتقديم محتوى يثرى القارئ، ويضعه فى قلب الحدث.
خمسة آلاف عدد من «اليوم السابع»، كل واحد منها يحمل قصة، ومجهودًا، وحلمًا تحوَّل إلى واقع. منذ اللحظة الأولى لم يكن الأمر سهلًا، لكنه استحق كل خطوة قطعناها. فى ذكرى هذا الإنجاز، نعود بالزمن إلى البدايات، حيث وُلدت الفكرة، وتحوّلت إلى تجربة صحفية أصبحت تمثل معادلة فى الشارع الصحفى، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها ساهمت فى تغيير مشهد الإعلام فى مصر.
كان المشهد فى «اليوم السابع» يشبه، ولا يزال، خلية نحل لا تتوقف عن العمل، لأنه كان يصعب على أى شخص أن يتخيل كيف تناغمت العديد من الأجيال معًا لصنع التجربة، إلى جانب الطاقات الشابة التى كانت تمثل الأمل والطموح. هنا جاء الدور الفعلى للطاقات الشابة التى كانت جزءًا لا يتجزأ من هذه التجربة، وجعلت الجريدة ما هى عليه اليوم.
كان بيننا طلاب فى سنواتهم النهائية بالجامعات، وآخرون أنهوا دراساتهم حديثًا، لكنهم كانوا يحملون شغفًا وحماسة تفوق أى خبرة عملية، هؤلاء الشباب كانوا يؤمنون بأن التحدى ليس فى مواجهة الصعوبات فقط، بل فى كيفية التعلم السريع واغتنام الفرص التى تأتى مع كل يوم. كانت «اليوم السابع» يضم أيضًا أجيالًا متنوعة من الصحفيين الذين ينتمون إلى مدارس صحفية متعددة، كان لدينا فى الفريق صحفيون ذوو خلفيات صحفية محافظة، وآخرون ينتمون إلى المدرسة المعارضة، بالإضافة إلى صحفيين من التيارات القومية.
مثّلت هذه المجموعات تنوعًا هائلًا من وجهات النظر والمدارس الصحفية، وهو ما كان يشكّل تحديًا حقيقيًا فى كيفية انصهار تلك الفئات المختلفة لتكوين تركيبة واحدة متجانسة وقادرة على العمل بروح الفريق. كان الهدف أن نجمع بين هذه المدارس المختلفة بطريقة تسهم فى إثراء العمل الصحفى، دون أن يؤثر التباين فى الأفكار على الجودة والموضوعية. وهذا كان يتطلب منا دومًا التوازن بين التوجهات المتباينة، مع الحفاظ على الالتزام بمهنية الصحافة. لكن التحدى الأكبر لم يكن فقط فى التنوع الفكرى، بل فى كيفية إدارة هذا التعدد بطريقة منضبطة، بحيث تتحقق أقصى استفادة من هذه الخبرات المختلفة، وهو ما تحقق على يد جيل من الأساتذة المؤسسين للتجربة، كان كل منهم نجمًا فى مجاله.
إضافةً إلى ذلك، كان النظام والعمل المنضبط أحد الأسس التى ساعدت فى بناء هذه التركيبة المتنوعة، فوجود ماكينة عمل منضبطة، عمادها التخطيط المسبق، وقوامها الالتزام فى التنفيذ، هو ما جعلنا قادرين على مواصلة النجاح فى شتى الإصدارات ومختلف المراحل.
اليوم، ونحن نحتفل بهذه المحطة المهمة، ننظر إلى ماضينا شاكرين توفيق الله وكرم قرائنا، ونتطلع إلى حاضرنا بأعين يسكنها الرضا، ونطالع بأعين يسكنها الطموح مستقبلنا، واثقين أن أمامنا الكثير لنقدمه، فالحكايات دومًا حاضرة لمن أخلص فى الرواية واستقام فى النوايا.
إلى كل من كان جزءًا من الرحلة: من محررين، ومصورين، ومنفذين، ومصححين، وعمال، وقبل الجميع قراء أوفياء، جزيل الشكر، وخالص العرفان.. كانت هذه المسيرة بكم، وستستمر معكم.

Trending Plus