ما معنى السعادة.. هل هى الرفاه؟

الحديث عن السعادة ومعناها من أكثر الموضوعات التي تدور حولها النقاشات، ويبحث عنها الناس جميعا لأنها الغاية من حياتهم، ولكن رغم الدراسات والأطروحات فإن معناها لا يزال يخضع لوجهات نظر كثيرة، وبالتالى تواصل الكتب طرح السؤال وتبحث عن الإجابة ومن ذلك كتاب "السعادة" لـ تيم لوماس، الذي يطرح العلاقة بين السعادة والرفاه.
يقول الكتاب:
سنبدأ باستعراض الرفاه، الذي يعُدُّه أغلب الدارسين مفهومًا جامعًا يشمل بداخله السعادة، بوجه عام، يمكن تعريف الرفاه بأنه يشمل كلَّ الطرق المتعدِّدة التي يمكن للبشر بها أن يكونوا على ما يُرام فيما يفعلونه وفي حياتهم. ثَمَّة طُرق متعدِّدة لتصوُّر هذا القطاع الواسع، لكن إحدى الطرق الفعَّالة هي تمييز أربعة أبعاد "أنطولوجية" له (الأنطولوجيا أو علم الوجود هو المبحث الفلسفي الذي يدرس طبيعة الوجود): الجسدي والذهني والاجتماعي والروحي.
إذَن، يمكننا أولًا التمييز بين الرفاه الجسدي والذهني، إشارةً إلى حالة الجسم والذهن على التوالي. لكن لا بد أن أذكر أن هذا التمييز لا يوازي مثنوية "الموضوعي" مقابل "الذاتي" الأنطولوجية.
تلك المثنوية هي طريقة مختلفة اختلافًا دقيقًا لتقسيم الوجود، إذ تميِّز بين الظواهر القائمة موضوعيًّا (أي باعتبارها كِيانات مادية ملموسة) وتلك الموجودة ذاتيًّا (أي باعتبارها كواليا (كيفيات محسوسة)، وهو مصطلح جامع لكل التجارب الواعية).
من هذه الناحية، لكلٍّ من الرفاه الجسدي والذهني جوانب فسيولوجية موضوعية (كيفية عمل الجسم والعقل) وجوانب ظاهراتية ذاتية (كيف يشعر الشخص بالجسد والذهن).
بالإضافة إلى هذا، يشدِّد العديد من الباحثين النظريين على أهمية الرفاه الاجتماعي، الذي يشير بالأساس إلى جودة علاقات الفرد بباقي الأفراد والمجتمعات. وتنعكس أهميته في تعريف منظمة الصحة العالَمية للصحة — الذي لم يتغير منذ 1948 — بأنها "حالة من اكتمال السلامة بدنيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا، لا مجرَّد انعدام المرض أو العجز." وعلاوةً على ذلك، يرى بعض العلماء أنه لا بد من الاعتراف بالرفاه الروحاني، ليعكس مستوى علاقة الفرد مع الظواهر التي يعُدُّها مُقدَّسة (لتكُن إلهًا مثلًا). من المُعترَف به أن ليس كل الناس يُعطون اعتبارًا لتلك الممكِنات أو حتى يؤمنون بوجودها؛ من ثَم قد يكون هذا البُعد أكثر خضوعًا للتخمين وأقل عمومية من الأبعاد الأخرى (التي تنطبق قطعًا على الكل وتعنيهم). بَيْد أنه جدير بالاهتمام رغم ذلك.
في الواقع، يُحتمل ألَّا تكون هذه وحدها الأبعاد المهمة. فقد شهدَت السنوات الأخيرة جدالًا مُذهِلًا عن الطبيعة الأنطولوجية للعالَم الافتراضي أو الرقمي أو الشبكي، على سبيل المثال، من حيث وجود البشر ونشاطهم في هذه المساحات (تفاعلهم في هيئة صور رمزية مثلًا)، والظواهر الموجودة هناك (النقود والأدوات الافتراضية مثلًا). ربما يحتاج هذا التصنيف المبدئي إلى إعادة النظر لاحقًا بحيث يضم الرفاه الافتراضي، لا سيَّما مع تزايد الوقت الذي يقضيه الناس على الإنترنت، ومع الوصول لفَهمٍ أفضل لحالة هذه العوالم الرقمية — التي تُسمَّى حاليًّا أحيانًا «ميتافيرس» — وتأثيرها. أو لنتأمل البيئة الطبيعية: فالبشر لا يتأثرون بالطبيعة فحسب، إنما هم أيضًا «جزء» منها. من ثَم فإنه من الممكن أن نَسُوق حُجة قوية لإفراد بُعد بيئي لوجودنا؛ ومن ثَم إقرار أهمية الرفاه البيئي. وقد تنشأ الحاجةُ يومًا ما إلى إضافته هو الآخَر لهذا لإطار.
Trending Plus