محمد دياب يكتب : ترامب يتراجع

تصريح ترامب بعدم العجلة في تنفيذ مخططه بشأن غزة هل هو تراجع فعلي أم مجرد خطوة تكتيكية للانقضاض بقوةٍ أشد؟ هل يبدّل العنيد المتغطرس قناعاته أم أنه يناور بدهاء مدفوعاً برياح تعصف بسمعة بلاده ومكانتها الدولية؟
في هذا السياق لا يمكن إغفال دور القيادة الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني اللذين ساهما بشكل جاد في توجيه رسائل قوية وصارمة للمجتمع الدولي بشأن فلسطين. الرئيس السيسي بخطواته الثابتة وتصريحاته الحازمة وضع العالم أمام مسؤولياته الحقيقية مُظهراً أن مصر لن تتخلى عن حقوق الشعب الفلسطيني تحت أي ضغط. كما أن ملك الأردن عبد الله الثاني كان له دور محوري في دعم القضية الفلسطينية مؤكداً أن القدس خط أحمر وأن أمن المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي
في وقت كانت فيه مواقف بعض الدول الكبرى تتأرجح كان الرئيس السيسي وملك الأردن يمثلان صوت العقل والثبات فتصريحاتهما الحاسمة والعملية كانت بمثابة ردع لكل محاولات التلاعب بالقضية الفلسطينية
الولايات المتحدة التي لطالما تغنّت بالديمقراطية وجدت نفسها في موقف المنبوذ شريكةً في جريمةٍ مكشوفة تواجه سيلاً من الإدانات حتى من حلفائها. لم يعد بإمكانها التستر خلف ذرائع الدفاع عن النفس وقد باتت تقود الهجوم بنفسها في سابقة لم يجرؤ عليها سوى الطغاة عبر التاريخ
لكن الضغط الدولي لم يكن وحده من فرَض هذه المناورة. فالموقف المصري جاء قاطعاً لا لبس فيه ولا مواربة حين افتتح بيانه بكلمة "تحذّر" في رسالةٍ دبلوماسية صارمة لا تحتمل التأويل. لم يكن تصريحاً عابراً بل إعلاناً عن معادلة جديدة ترسمها مصر مدعومةً بقدرات يدرك البنتاغون تماماً أنها ليست مجالاً للمغامرة.
أما داخل أمريكا فالأرض تهتز تحت أقدام صُنّاع القرار. مؤسسات الدولة العميقة تدرك خطورة هذا النهج الأرعن وداخل إسرائيل نفسها تبرز أصوات تحذر من العواقب وعلى رأسها "شلومى بيندر" الذي رأى في هذا المسار تهديداً لاستراتيجيات تل أبيب ذاتها
وهنا يحضرني خطاب الرئيس الراحل محمد أنور السادات في الكنيست الإسرائيلي حين قال: "عليكم أن تتخلّوا نهائياً عن أحلام الغزو وأن تدركوا أن القوة ليست السبيل للتعامل مع العرب. إن أرضنا ليست محل مساومة بل هي لدينا كالوادي المقدس طوى الذي كلم فيه الله موسى عليه السلام"
لكن، إن كانت أمريكا قد تراجعت تكتيكياً فهل تراجعت عقيدتها الاستعمارية؟ وهل ستتخلى إسرائيل عن أحلامها التوسعية بعدما تذوّقت طعم الدم الفلسطيني بلا رادع؟ لا يبدو ذلك لكن ما بات يقيناً أن المشهد تغيّر وأن ما كان يُفرض بالتعالى والعجرفة لم يعد يُمرّر إلا بالالتفاف والمراوغة
لقد انكشفت اللعبة وسقطت ورقة التوت الأخيرة عن القوة العظمى التي لطالما توهمت أنها تحكم العالم بقبضة من حديد. فهل تدرك الآن أن الحديد يصدأ وأن البطش الذي لم يردعه ضمير سيُردع بإرادة الشعوب؟
التاريخ لا ينسى والأمم التي عرفت طريقها إلى الكرامة لا تعود للركوع. أما أولئك الذين يراهنون على تراجع الوعي فعليهم أن يعيدوا قراءة المشهد لأن ما بعد هذه اللحظة… ليس كما قبلها !
Trending Plus