"نور الخير" يحول الألم إلى أمل.. متطوعون بشمال سيناء يواصلون دعم أهالى غزة ويوفرون 1000 وجبة يومية مجهزة بمطابخ الخير فى العريش.. مبادرة إنسانية تقدم الدعم الغذائى للأشقاء الفلسطينيين العالقين والمصابين والمرضى

وسط مدينة العريش بشمال سيناء، حيث يلتقي الألم بالأمل، هناك نور ينبعث من مطابخ الخير التي تسابق الزمن لتقديم 1000 وجبة ساخنة للأشقاء الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة للعلاج، ولمرافقيهم، وللعالقين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، إنها قصة إنسانية تفيض بالحب والتضامن، تتجسد في أناس نذروا أنفسهم لخدمة المحتاجين، فكانت العريش شاهدة على واحدة من أنبل صور التكافل الإنساني.
مع أول خيوط الفجر، تبدأ الحياة تدب في مطابخ الخير، حيث يتوافد المتطوعون حاملين في قلوبهم نية صادقة ورغبة في العطاء، رجال ونساء، كبار وصغار، يجتمعون كخلية نحل لا تهدأ، كل منهم له دور، وكل يد تمتد بالخير.
وقالت صابرين رمضان فهمي، رئيس إحدى الجمعيات الخيرية:"منذ أن بدأت الأزمة، لم نتردد لحظة في التحرك، والفكرة كانت بسيطة، والطعام ليس رفاهية، بل حياة، وهدفنا أن يصل لكل محتاج، سواء كان مصابًا، أو عالقًا، أو مرافقًا لمريض".
وأضافت: كل صباح، يتم التنسيق مع مستشفى العريش ومكتب خدمة المواطنين داخلها لحصر أعداد المحتاجين، ثم ينطلق العمل بسرعة ودقة لإعداد الوجبات التي يجب أن تصل دافئة ومشبعة.
وأوضحت أن ما يميز مطابخ الخير هو أنها لا تقدم مجرد طعام، بل تبعث برسالة دفء لكل من يحتاجها، والوجبات يتم إعدادها بعناية، مع مراعاة القيمة الغذائية اللازمة لكل حالة وجبة الغداء، على سبيل المثال، تتكون من نشويات، وبروتين، وخضروات طازجة، وفاكهة، بينما تتنوع وجبة الإفطار بين الأجبان، والعصائر، والبطاطس، والحلويات، لتناسب جميع الأعمار.
وقالت ضحى محمد ممدوح، متطوعة بمؤسسة مصر الخير:"كلما رأيت الابتسامة على وجه أحد المستفيدين، أدركت أن ما نقوم به ليس مجرد عمل خيري، بل هو رسالة حب. نحن نطهو بقلوبنا قبل أيدينا".
في منطقة "عماير السبيل" بالعريش، يعيش مئات الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل، غير قادرين على العودة إلى ديارهم، مطابخ الخير لم تنسهم، فقد خصصت لهم مطبخًا متكاملاً يوفر لهم الوجبات يوميًا، كأنهم أفراد من العائلة.
ويقول أحمد، أحد العالقين الذين يعيشون في العريش منذ أشهر:"أحيانًا، لا نملك سوى الدعاء لمن يقومون بهذا العمل العظيم، والطعام يصلنا في وقته، ولم نشعر يومًا بأننا وحدنا".
إلى جانبهم، هناك فرق الإسعاف والمسعفين الذين يعملون بلا توقف لنقل المصابين من معبر رفح إلى المستشفيات المصرية، هؤلاء الأبطال لا يجدون وقتًا للطعام، لكن مطابخ الخير تسهر على تلبية احتياجاتهم، لتمنحهم الطاقة لمواصلة إنقاذ الأرواح.
ويبدأ الطهي في المطابخ الساعة السابعة صباحًا، حيث يُشرف خبراء التغذية على تجهيز المكونات وفق أعلى معايير الجودة، مع حلول العاشرة صباحًا، تخرج وجبات الإفطار، وفي الظهيرة تصل وجبات الغداء إلى المستفيدين، بمساعدة فرق من النساء والفتيات اللواتي تم تدريبهن بعناية.
وتقول صابرين:"هذا المشروع لم يغير حياة الفلسطينيين فقط، بل ساعد العديد من السيدات المعيلات، حيث وفر لهن فرص عمل تضمن لهن حياة كريمة، كثير من هؤلاء السيدات وجدن في العمل في المطابخ فرصة لتحقيق الاستقلال المالي، وتوفير حياة كريمة لأطفالهن".
المهمة ليست سهلة، فهناك تحديات كثيرة، أولها تأمين المواد الغذائية والمستلزمات لضمان استمرار العمل، وأوضح محمد فرج، مسؤول المخازن والتوزيع:"نحرص على أن تكون لدينا مخزونات كافية من الأرز، واللحوم، والدواجن، والخضروات، حتى لا ينقطع العمل، والدعم الذي نحصل عليه من أهل الخير ضروري، فالحاجة تتزايد كل يوم."
وتحدثت أم محمود، فلسطينية عالقة في العريش:"عندما خرجنا من غزة، كنا نظن أننا سنواجه الجوع والتشرد، لكن هنا، لم نشعر أبدًا بأننا غرباء، ومطابخ الخير لم توفر لنا الطعام فقط، بل جعلتنا نشعر بالأمان والانتماء".
أما خالد، شاب فلسطيني أصيب خلال القصف ونُقل للعلاج في مصر، فيحكي قصته قائلاً: "كنت خائفًا، ليس فقط من الإصابة، ولكن من أن أكون عبئًا على من حولي، ولكن عندما وصلت إلى هنا، شعرت كأنني في بيتي، ووجبة الطعام التي تصلني كل يوم ليست مجرد طعام.
ليست المطابخ مجرد أماكن للطهي، بل هي منارات أمل تضيء حياة المئات، وتؤكد أن الإنسانية لا تتوقف عند حدود، وإن من يعملون فيها لا يرون في عملهم مجرد تطوع، بل رسالة تذكر الجميع بأن الخير موجود، وأن هناك من لا يزال يؤمن بالعطاء.
تقول إحدى العاملات في المطبخ والتي فضلت عدم ذكر اسمها:"أحيانًا أشعر بالإرهاق الشديد، ولكن عندما أرى وجوه الأطفال وهي تبتسم عند استلام الطعام، أعرف أن تعبي لم يذهب سدى".
مع استمرار الأزمة، تستمر مطابخ الخير في أداء رسالتها، يداً بيد مع أبناء شمال سيناء الذين جعلوا من التضامن أسلوب حياة، في عالم قد يبدو قاسيًا أحيانًا، تثبت هذه القصة أن الرحمة ما زالت موجودة، وأن الأمل ينبض حيثما وُجدت القلوب الطيبة.
اثناء العمل في مطبخ خيري
اثناء العمل
تجهيز الوجبات

صابرين رمضان

ضحي محمد

محمد فرج

من داخل مطبخ
Trending Plus