خالد دومة يكتب: العهد

خالد دومة
خالد دومة

كنا إذ ذاك نقف جميعا، أبي آدم، ثم الأنبياء والمصلحين، الرجال والنساء، الأطفال الصغار والشيوخ، العقلاء والسفهاء، من جاءوا منذ بدء الخلقية، ومن تأخروا، كانت جموع غفيرة، لا حصر لها، الكل يقف في صفوف لا متناهية، مطأطأي الرءوس، الصمت يبدو على كل شيء، لحظة خشوع من الكون كله، الملائكة ساكنة بأجنحتها فوق الرءوس، الجبال، التلال، السحب التي تراكمت خوفا ومهابة، النجوم تلمع ببريق فضي، يجعل الكون يسبح في نور، السماء تمتلأ بالطيور من كل شكل ولون، من فوقها الملائكة، الكون مزدحم، كنا جميعا كوميض، ونحن على هذا الوضع، والكون من حولنا في هذا الصمت الرهيب، إذ برعشة تنتاب كل قلب، كل جارحة، كل خالجة تتدفق في أنحاء كل جسد، ثم هي تتسلل إلى الروح، وتملأ الفضاء الداخلي فينا، ثم هي تنتشر منا، إلى ما يحيط بنا، وتتسع الرقع، حتى تمس كل موجود، فلا تترك جزء من العالم، حتى تسكنه، ثم هي تفيض، وتظل تفيض إلى ما لا يحصى من المخلوقات والموجودات، كانت لحظة مهيبة، تلك التي تجلى نور من الفيض الإلهي، في ذواتنا الضعيفة، لتشرق وتنير، كانت تلك الرعشة، صوت ينادينا في عالم غير عالمنا، عالم ما قبل، كنا لا نزال في عالم الذر، عالم النقطة الواحدة، والتي تتكدس فيما لا يحصى، الكل هنا، والكل ليس موجود، حلقة متناهية، تضم حلقات لا متناهية، كان الوجود شاهد علينا، الكائنات الأعلى والأدنى، ولكن الكل يتلاشى، حين نسمع صوت الله، في أعماق أرواحنا، في جنبات الكون، ينبع منا، وقد سألنا الله على الملأ الأعلى، ألست بربكم؟.. من ينكر؟ من يجحد؟ من يتعامى؟ وكيف لا، أيكون من يجحد؟ من يعلن العصيان من ينبذ الحقيقة، من يهوى في براثن النسيان والإنكار، كيف لا؟ والكون الهائل منك، والمخلوقات صنعتك وإبداعك، لك الملك وحدك، أنت الذي خلقت، ووهبت لنا الحياة، أخرجتنا من ظلمة النسيان، من العدم إلى نور الحياة، نور الوجود، فاض عطآءك علينا، لا بد للعين أن لا ترى غيرك، والأذن لا تستمع إلا لكلماتك، واللسان لا يلهج إلا بفيض يديك ونعمك، التي أنعمت، كيف لا؟ فلك وحدك الحمد، لك وحدك الملك، ذرفت العيون، والروح هامت وتسامت بك، ونطقت جميع الألسنة، أن بلى، نعم أنت الرب الذي له الفضل، له الولاء، فأنت الذي خلقت ووهبت، وشققت لنا إلى الحياة سبيل، كان العهد الميثاق الغليظ، الكلمة التي لا خلاف عليها أمام الرب، ونحن واقفون نتلقى الكلمة، بأن لا ننسى، أن ندعي الذهول، والكفران والجحود، أن تقول بأن الأشياء تغيرت، تغير الوجود والنداء، وأن التقلب أصاب الجواهر والأعماق والأرواح، وأن الشهادة كانت أحاديث وأحاديث لا وعي، أن تقولوا شغلتنا الأهواء، وكانت الغفلة شديدة والمغريات أشد، طمست معالم الشهادة في نفوسنا، نسينا كما ننسى كل شيء مضى الموت والأحياء والأقارب والأباء، وحتى الأبناء، الغفلة شديدة، والظلمة كثيفة، والأحراش متشابكة وتُهنا في الزحام، شغلتنا الحياة عن حفظ العهد، أنستنا شهادة الألسنة والقلوب، أنستنا كل شيء، حتى أنفسنا فأنساقت خلف الأجساد، تسابقنا من أجل حفظها، كانت الشهادة شهادة أرواح، وقد غابت في زحمت الجسد، في طلب البقاء في سد الثغرات، التي ملأت الجسد العاري، تهلهلت الأرواح أصبحت خرقة تحتاج إلى من يعيد إليها الصفاء، تكاثرت عليها أتربة الرغبة الجامحة في اقتناص الشهوات، نسينا العهد والشهادة، التي شهدناها، فتوارت في الخلف في ظهر الحياة، لم نعد نراها من كثرة الإهمال، حين نفتش عنها في قاع الروح، في زواياه لم نجدها لم نعثر عليها، لم  نتعثر في كلمة منها، أكنا نحن من تلقينا العهد، أم كان غيرنا عجبا لابن الإنسان، لروحه التائه على علم منه، وهو يقف عاجزا لا يحرك ساكنا في طلبها، لا يجد في عودتها بعد أن سلبتها منه الجمادات، تتفوق عليه، تنتصر على قلبه وعقله، ثم ها هو يقف ناظرا إليها في صمت مريب، كأن الأمر لا يعنيه، لا يمت له بصلة، كانت الشهادة شهادة دم وروح، شهادة يقين أزلي، فلماذا كانت الغفلة والتلاهي والنسيان، حين سمعنا وأقررنا، انطلقنا ونحن نتسآل كيف لنا أن ننسى أمر كهذا؟ أننا لم ننسى، أننسى وجودنا، الذي منحه الله لنا، إنا على العهد، عدنا من حيث كنا لنأتي بعد حين كل في دوره من الحياة، حين نخرج إليها، أنها كلمة فينا كالجوارح أو أكثر فهي مطبوعة في النفس والروح، قبل الجسد ثم ها هي العجلة، تدور، الحركة الأولى تسير في بطيء، ينزل أبانا إلى الأرض حاملا في صلبه بأعداد غفيرة، لا يعلم عددها إلا الله خالقها، يهبط على الأرض الصلبة بين ذراعية، نصف الوجود، ينعسان فقد كان هبوطا شاقا، لم يعد البدن كعهده، حين كان في السماء أعترته من الطين والشقاء المنتظر، بدأت الأرض تهمس في أذنيه الحياة، نسائم تمر، صوت هدير الماء على القرب، حفيف الشجر والأوراق المتطايرة، ذبابة تطن تتلمس طريق الحياة، زئير أسد متكاسل، كأنه قد استيقظ من ثبات عميق، غزالة في غابة نائية، تتشم رائحة الأوراق الملقاه على الأرض، تلتهم بعضها، فالجوع قاتل، قادم يدب نحو الحياة، يديه القصيرتين، تخرج من طينها الحشرات الزاحفة، شدة صوت الطيور القادمة، سرب في هجرته الأولى، العصافير تهل أصدرت صوت موسيقي، يطرب العقل والروح، صدرت منه ابتسامة، شعر بالعطش أخذته قدميه إلى النهر، صوت خرير الماء يغزوه، يتقدم في حذر، لم يكن يرعبه شيء، قبل هذا اليوم، ولكن خوف ما يشعر به قلبه، يحاول أن يتذكر، كان قد نسي الأسماء هو يشعر فقط الأن، ويشير الكلمة الوحيدة، التي يعرفها هو كلمة العهد الشهادة التي قطعها على نفسه، بأن يكون على العهد، وأن يجدد الميثاق في روحه، ويذكر بها نفسه، فالنسيان بدأ يزور عقله الآن، نسي بعض الأسماء، ولا يدري أي شي أخر قد ينسى، أم العهد أم الميثاق، فلا لا يجب أن ينساها، هو محفور فيه، خوف عليه، حين أقترب من صفحة النهر، كان حمل يشرب، وطائر صغير من فوقه ينتفض من ماء عالق بجسده الصغير، الحب يبدو على وجوه الكائنات، الرحمة تعم، كيف بالإنسان، أرجل كائن تهرول، تقطع الأميال في سرعة خاطفة، في لحظة عابرة، نشب مخالبه حول الحمل، وأنيابه تقطع العروق، ويسيل الدم فوق الماء، يخضبه باللون الأحمر، صورة الدم، الخوف يتضاعف في قلب أبينا، الذعر يمتلكه، تأكله الطمأنينة، يعود أدراجه، يختبأ خلف غصن، تتلبد السماء بسحب، صوت الرعد تصطق له الآذان، الرياح تقتلع الجذور الثابتة، تهطل الأمطار، السماء تطلى بلون السواد، لون ممزوج بالخوف والرعب، تسلل في الظلام المخيف، نحو كهف وراح في سبات عميق.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الرئيس السيسى يؤكد أولوية تطوير منظومة التعليم والاهتمام بالمعلمين

هل يعيد الأهلى استنساخ جيل 2001؟.. الأحمر يفاوض 9 شباب لتجديد الدماء

بدء أعمال مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين تمهيدا لقمة بغداد

وزارة الداخلية تضبط قضية غسيل أموال بقيمة 280 مليون جنيه

زلزال بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر يضرب تونجا


اشتباكات مسلحة وفوضى أمنية فى ليبيا.. فرار أخطر السجناء من سجون طرابلس

حدث ليلا.. تغطية شاملة لزلزال اليوم بقوة 6.4 ريختر: كان قويًا نسبيًا

تفاصيل زلزال "نص الليل".. سكان القاهرة والمحافظات يشعرون بهزة أرضية بقوة 6.4 ريختر.. البحوث الفلكية: قوى نسبيًا.. واستغرق أقل من 20 ثانية.. ورصدنا هزتين ارتداديتين.. والهلال الأحمر: لم ترد بلاغات بوقوع أضرار

موعد مباراة منتخب مصر للشباب أمام المغرب فى أمم أفريقيا للشباب

وجه جديد لمرسى مطروح.. الكورنيش يتألق قبل المصيف بتطوير غير مسبوق.. إضافة وتأهيل شواطئ جديدة وتوسعة الطريق أبرز التغييرات.. إنشاء أكثر من ممشى ومناطق خدمية وترفيهية تحدث طفرة حضارية.. صور


تفاصيل ميلاد هلال ذو الحجة وموعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025

تحذير من الكهرباء للمواطنين: العبث بالعداد = محضر وغرامة

عاجل.. رئيس شبكة الزلازل: مركز الزلزال بعيد عن المدن المصرية ولا داعى للقلق

زلزال اليوم.. هزة أرضية تضرب القاهرة وعددا من المحافظات.. البحوث الفلكية: قوته 6.4 ريختر على بعد 631 كم شمال رشيد.. ورئيس المعهد: عمق الزلزال كان كبيرًا.. ويطمئن المواطنين: نتابع تداعيات الهزة الأرضية بشكل دقيق

عودة الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات فى العاصمة الليبية طرابلس

رابط الاستعلام عن رقم جلوس امتحانات الدبلومات الفنية 2025

بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة

عاجل.. زلزال يضرب القاهرة وعددا من المحافظات

وفاة جورج وسوف شائعة وحالته الصحية بخير ويستعد لجولته الغنائية فى أوروبا

محامى رمضان صبحى يكشف حقيقة القبض على شخص يؤدى الامتحان بدلا منه

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى