نصف بشرى ونصف آلة.. خفايا عالم "السايبورج".. محاولات البشر إضافة أجزاء روبوتية لأجسادهم.. "واريك" ربط إشاراته العصبية بزوجته ليشعر بتحركاتها.. "هاربيسون" يسمع الألوان بـ"هوائى".. و"ريباس" تستشعر الزلازل بقدمها

وصل التقدم التكنولوجى للحد الذى يزرع فيه الإنسان أجزاء روبوتية كاملة، ويتحول بذلك إلى ما يسمى بالـ«سايبورج»، أى إنسان آلى حقيقى، فأصبح لدينا عدد من النماذج لعل أشهرها، نيل هاربيسون، والذى يضع «هوائى» فى رأسه ينقل اهتزازات مخصصة تترجم رائحتها إلى طيف من الألوان.. ألوان يسمعها، ولا يراها، ومون ريباس التى تؤدى رقصاتها من خلال موسيقى لتستشعر الزلازل البعيدة، بعد أن غرست فى قدمها أجهزة استشعار الزلازل، وأصبحت تسمع حركة الأرض وذبذباتها، وكيفن واريك الذى جرب علمه على نفسه وزوجته فربط نفسه بها وأصبح يشعر بتحركاتها وانتابه شعور عميق بالقوة الخارجة بعد أن أصبحت قدراته غير بشرية، أما الأكثر بؤسا فكان بيتر سكوت الذى صُنف بأنه أول سايبورج كامل بسبب كل الغرسات التى وضعها لنفسه متحديا المرض، فتوفى رغم ذلك مستسلما لقدره الذى فعل كل استطاعته لمحاربته.
هذا ليس خيالا، هذه لحظات حقيقية من حياة 4 أفراد تجاوزوا الحدود المعتادة للتجربة الإنسانية من خلال نسج التكنولوجيا فى كيانهم، وبذلك فإنهم يتحدون مفاهيمنا للهوية والقدرة، ويفتحون حوارا مثيرا للتفكير حول اندماج التكنولوجيا والبيولوجيا.
عالم الأعصاب والمهندس مانفريد كلاينز، صاغ كلمة «سايبورج» فى عام 1960، وعلى الرغم من ظهور مخلوقات تشبه السايبورج فى الخيال العلمى منذ عشرينيات القرن العشرين، وفقا لمرجع أكسفورد، فإن معناه واسع ومتغير حسب المصدر، حيث يعرف قاموس ميريام وبستر «السايبورج» بأنه إنسان آلى، وكلمة «آلى» تعنى القدرات البيولوجية أو الأداء المعزز بأجهزة إلكترونية أو كهروميكانيكية.
"واريك" يجرب علمه على نفسه
يعد كيفن واريك، هو أول شخص بدأ العمل على هذا الأمر، الذى لديه ندبة على ساعده الأيسر، حيث أطلق الجراحون 100 شوكة من السيليكون، مزودة بأقطاب كهربائية من البلاتين، مباشرة فى نظامه العصبى، وسمحت هذه الأشواك لجسمه باستقبال إشارات إلكترونية خارجية، على سبيل المثال، من جهاز كمبيوتر ونقلها مرة أخرى.
جعلت هذه العملية «واريك» أول إنسان آلى حقيقى فى عام 2002، من خلال دمج جسده بالتكنولوجيا لتوسيع قدراته البشرية العادية إلى عالم الخيال العلمى، كما أنه باستخدام الغرسة يمكن توصيله بأجهزة الكمبيوتر والتحكم فى الروبوتات فى قارات أخرى عبر الإنترنت واستشعار الموجات الصوتية فوق الصوتية.
واريك واليد الروبوتية
قال واريك، الذى يعمل كأستاذ فخرى فى علم التحكم الآلى فى جامعة ريدينج وجامعة كوفنترى فى المملكة المتحدة، لموقع لايف ساينس، «إنه مثل قوة عظمى يمكن لعقلك التحكم فيها فجأة».
وحصل واريك على أول عملية زرع له فى عام 1998، عبر شريحة تعريف ترددات الراديو «RFID» البسيطة، وتم وضعها تحت الجلد فى ذراعه، وتم توصيل أجهزة الكمبيوتر فى مختبره بجامعة ريدينج بهوائيات تكتشف الموجات الراديوية، التى تنقلها الشريحة حتى تتمكن أجهزة الكمبيوتر من مراقبة وأداء المهام لواريك أثناء اقترابه، مثل فتح الأبواب الإلكترونية.
فيما يعتقد أن عملية الزرع فى عام 2002 هى التى أكسبته لقب «سايبورج»، لأن الغرسة تم دمجها فى الجهاز العصبى لجسمه بما أوسع ما كانت البيولوجيا البشرية قادرة على القيام به، ونما النسيج الليفى حول الغرسة، ما أدى إلى تثبيتها فى مكانها داخل ذراعه، ما يعنى أن الأنسجة تقبلت الغرسة فى الجسم.
واكتسب إحساسا يشبه الخفاش من خلال توصيل الغرسة بقبعة بيسبول معدلة بها أجهزة استشعار بالموجات فوق الصوتية، حيث أرسلت أجهزة الاستشعار إشارات إلى نظامه العصبى على شكل نبضات، والتى أصبحت أكثر تواترا كلما اقتربت أشياء مختلفة منه.
وحدثت أكبر لحظة له عندما ربط نظامه العصبى بالجهاز العصبى لزوجته، إيرينا واريك، بعد أن تم دفع أقطاب كهربائية فى الأعصاب الموجودة فى ذراعها أيضا.
ولم يستطع أن يرى ما كانت تفعله، ولكن عندما فتحت وأغلقت يدها، كان بإمكانه الشعور بذلك، وكما حدث مع ذراع الروبوت، تلقى واريك نبضات فى نظامه العصبى للإشارة إلى ما كانت إيرينا تفعله.
نيل هاربيسون يسمع الألوان ولا يراها
لا يعد آل واريك الوحيدين اللذين يتمتعان بمكانة بارزة فى تاريخ الإنسان الآلى، بل أصبح نيل هاربيسون أول إنسان آلى فى العالم يتم الاعتراف به قانونيا من جانب حكومة فى عام 2004 بعد أن سمحت له حكومة المملكة المتحدة بارتداء هوائى، يسمح له بسماع الألوان، وفقا لشبكة CNN.
ولد هاربيسون، الفنان والناشط فى مجال الإنسان الآلى، مصابا بعمى الألوان، بينما يكتشف الهوائى الألوان نيابة عنه ويترجمها إلى أصوات يسمعها، وبدأ تحول هاربيسون إلى إنسان آلى فى بيئة إبداعية وغنية بالفن فى برشلونة، حيث قام لأول مرة بتثبيت جهازه المبتكر «آى بورج».
هوائى هاربيسون
يسمح له هذا الجهاز الفريد، الذى يترجم الألوان إلى أصوات، بإدراك الألوان اليومية ولكن أيضا تلك التى لا يمكننا تجربتها عادة، الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، ما يمكنه من توسيع قدراته الفنية.
على عكس غرسة واريك عام 2002 التى تمت إزالتها بعد تجاربه، فإن غرسة هوائى هاربيسون هى تركيب دائم كان يرتديه منذ عام 2004.
ومع ذلك، كانت الرحلة إلى التحول إلى إنسان آلى محفوفة بالتعقيدات، وخاصة من وجهات النظر الطبية والأخلاقية، حيث واجه هاربيسون مقاومة من اللجان الأخلاقية الحيوية، التى كانت مهتمة بأخلاقيات توسيع الحواس البشرية لإدراك الأطياف غير البشرية والطبيعة غير التقليدية، ولكنه فى النهاية تمكن من تنفيذ ما سعى له.
«ريباس» تبتكر رقصات من استشعار قدمها للزلازل
تعد مون ريباس، فنانة إسبانية وناشطة سايبورج، يمكنها أن تشعر حرفيا بحركة الأرض، وعندما كانت ريباس تكبر، كانت تجهل إلى حد كبير النشاط الزلزالى، لأنها مثلنا جميعا تقريبا تفتقر إلى القدرة الحسية لاكتشافه، وألهمها هذا الإدراك لزرع جهاز استشعار زلزالى فى جسدها.
وكان الدافع وراء حس ريباس الزلزالى شخصيا وتعاونيا، حيث استلهمت ريباس، المتزوجة من هاربيسون، من تجاربه المشتركة، تتذكر: «أنا ونيل صديقان منذ الطفولة.. تعلمنا أن التكنولوجيا يمكن أن تربط بين فهمنا للكوكب وتغير تصورنا للواقع».
ريباس ترقص على هزات الزلازل
سعت ريباس، مصممة الرقصات والراقصة المدربة، إلى توسيع إدراكها للحركة خارج نطاق الإنسان، «أردت أن أدرك حركة أكثر عالمية، شيئا لا يعتمد على الناس.. لقد أذهلنى الحركة المستمرة للأرض من خلال الزلازل».
تختبر ريباس الآن الاهتزازات الدقيقة والقوية للكوكب فى الوقت الفعلى، وتقول ريباس: «لقد أثر ذلك بالتأكيد على إدراكى، إن معرفة أن الأرض تتحرك تختلف تماما عن الشعور بها باستمرار».
عمق هذا الحس الجديد ارتباط ريباس بالكوكب بشكل عميق، حيث إنها تقول «لقد جعلنى أدرك كيف نبنى حياتنا متجاهلين حقيقة أننا نعيش على كوكب يتحرك ويتغير باستمرار».
بدأت رحلة ريباس إلى هذا الارتباط العميق بالتحديات العملية والفضول، ففى البداية جربت «ريباس» جهاز استشعار زلزالى يمكن ارتداؤه على كاحلها، لكن ثبت أنه غير عملى أثناء الأنشطة اليومية، ثم نقلت المستشعر إلى أعلى مرفقها لأنه كان بعيدا عن الأعضاء الحيوية وشعرت بأنه مكان جيد، لكن فى النهاية أدركت أنه من المنطقى أن تشعر بالزلازل من خلال قدمها، الجزء من الجسم الذى يلامس الأرض، وبعد بعض التجارب والأخطاء، زرعت المستشعر فوق قدميها، ما أدى إلى تجربة أكثر بديهية وطبيعية.
ريباس ومستشعر الزلازل
وتعمل «ريباس» على تحويل البيانات الزلزالية إلى فن الأداء، وتوضح: لقد قمت بإنشاء قطعة تسمى «انتظار الزلازل»، وهو أداء يستمر لمدة طويلة، حيث أقف ساكنة حتى يحدث النشاط الزلزالى، ثم أتحرك وفقا لشدة الزلزال.
هذا الأداء، الذى يقام غالبا فى المتاحف، يدعو الجمهور للتواصل مع حركات الأرض، وتصف «أنه مثل دويتو بين الأرض ونفسى، الأرض هى مصممة الرقصات، وأنا المترجمة».
كما تؤلف ريباس ما تسميه «الموسيقى الزلزالية»، وترجمة البيانات الزلزالية التاريخية إلى عروض موسيقية.
«سكوت» يحاول التصدى للمرض
هناك تعريف للإنسان الآلى «السايبورج»، أنه يتطلب أكثر من غرسة أو اثنتين، وفقا لمرجع أكسفورد، فيما أن الإنسان الآلى هو هجين: نصف بشرى ونصف آلة.
وحقق العالم بيتر سكوت مورجان ذلك للتغلب على مرض الخلايا العصبية الحركية، حيث خضع لسلسلة من العمليات المعقدة، بما فى ذلك إدخال أنبوب تغذية مباشرة فى بطنه، وقسطرة فى المثانة وغيرها من الإجراءات التى ستساعده على الاستمرار فى العيش دون مضاعفات ناجمة عن مرضه العضال.
سكوت ومحاولاته للحياة
ووفقا لما ذكره موقع «RT»، أجرى عملية استئصال الحنجرة لفصل المرىء والقصبة الهوائية لتقليل خطر إصابته بالتهاب رئوى مميت، ما يعنى أنه لن يتحدث مرة أخرى، ومع ذلك، قبل أن يخضع لعملية جراحية، سجل بيتر عشرات الآلاف من الكلمات والجمل التى يمكن أن يطلقها باستخدام عينيه.
وخضع أيضا لعملية جراحية فى العين بالليزر لتحسين بصره عند 70 سم، وهى المسافة من وجهه إلى شاشة الكمبيوتر، التى ستتيح له التحكم عن بعد بالكمبيوتر باستخدام تقنية تتبع العين.
وأعلن بيتر لاحقا أنه أكمل انتقاله بالكامل إلى أول إنسان آلى كامل فى العالم، يدعى بيتر 2.0 «Peter 2.0»، فى محاولة لتمديد عمره وتحدى انتشار المرض، لكنه توفى فى 2022 بعد كل هذه الإجراءات.
Trending Plus