محمد دياب يكتب: إسرائيل تقطع الكهرباء عن غزة

أي لعنة تلك التي حلت على هذا العالم، حتى صار قطع الكهرباء عن مليونَي إنسان فعلاً عادياً لا يثير غضباً ولا يستدعي تحركاً؟ أي انتكاسة أخلاقية تجعل موت الأطفال في حضّانات المستشفيات مشهداً مألوفاً، وانقطاع الماء عن العطشى أمراً لا يستحق الإدانة؟ إن ما تفعله إسرائيل اليوم بقطاع غزة ليس مجرد انتهاك، بل هو وصمة عار في جبين الإنسانية، وجريمة حرب مكتملة الأركان
إسرائيل لا تقاتل جيشاً، بل تعاقب شعباً بأكمله، تُظلم سماؤه وتُطفأ أنواره، لا لشيء إلا لأنه صمد في وجه الاحتلال ورفض أن يركع. تحاصرهم، تقصفهم، تمنع عنهم الدواء والغذاء، ثم تقطع عنهم الكهرباء، وكأنها تريد أن تعيدهم إلى العصور البدائية، حيث الظلام والموت متلازمان
والأدهى من ذلك، أن هذه الجريمة تُرتكب تحت سمع العالم وبصره، وسط صمت مخجل من دول تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنها تعجز عن إصدار بيان إدانة حقيقي. لقد تحول المجتمع الدولي إلى شريك متواطئ، يمد الاحتلال بأدوات القتل، ثم يذرف دموع التماسيح على الضحايا
وسط هذا السقوط الأخلاقي المدوي، جاء موقف مصر واضحاً وقاطعاً: لا للعقاب الجماعي، لا للحصار، لا لقتل الأبرياء ببطء! لم يكن بيان الخارجية المصرية مجرد كلمات دبلوماسية، بل صرخة في وجه العالم النائم، وتأكيداً على أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الانتهاكات
مصر، التي كانت دائماً السند الحقيقي لفلسطين، تدرك أن ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل مخطط شيطاني يهدف إلى كسر إرادة شعب بأكمله. ولهذا، لم تكتفِ بالإدانة، بل فتحت معبر رفح للمساعدات، وحركت دبلوماسيتها للضغط على الاحتلال، وأوصلت رسالة واضحة بأن للصبر حدوداً
إلى متى سيظل المجتمع الدولي عاجزاً عن فرض عقوبات على إسرائيل؟ إلى متى سيظل الصمت سيد الموقف، بينما تُرتكب الجرائم علناً؟ هل أصبحت حياة الفلسطينيين بلا قيمة، حتى صار موتهم مجرد رقم في نشرات الأخبار؟
إن غزة اليوم ليست مجرد مدينة تُحاصر، بل هي اختبار حقيقي لإنسانية هذا العالم. فإما أن تتحرك الضمائر لوقف هذه المجازر، أو أن نعلن صراحة أننا نعيش في زمن سقطت فيه كل الأقنعة، وساد فيه منطق القوة والوحشية على حساب الحق والعدالة
سيذكر التاريخ من نصر غزة، ومن خذلها. سيحفظ أسماء الشرفاء الذين وقفوا في وجه الظلم، وسيسجل في صفحات العار كل من صمت، كل من برر، كل من تواطأ. غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل هي كاشفة للوجوه، فإما أن تكون مع الحق، أو تكون في صف القتلة
أما إسرائيل، فلتقطع الكهرباء، فلتمنع الماء، فلتقصف وتقتل، لكنها لن تقتل الروح التي تسري في عروق هذا الشعب. غزة ستظل مشتعلة، ليس بنار الحرب، بل بنور الصمود، وستعود يوماً مشرقة كما كانت، رغم أنف الاحتلال، ورغم خيانة العالم بأسره
وإلى أولئك المتخاذلين، المتفرجين، المبررين، نقول: قد تعيشون بلا خجل، لكنكم لن تموتوا بلا حساب.
Trending Plus