ما المومياء الغامضة "با شيرى"؟ حسين عبد البصير يجيب

المومياء الغامضة
المومياء الغامضة
كتبت بسنت جميل

قال الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار المصرية ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إن مومياء "با شيرى"، المعروفة أيضًا باسم "المومياء التى لا تمس"، واحدة من أكثر الاكتشافات الأثرية إثارة للجدل والغموض فى علم المصريات، فقد اكتشفها عالم الآثار البريطانى هوارد كارتر عام 1919 فى منطقة وادى الملوك، قبل ثلاث سنوات من اكتشافه المقبرة الشهيرة للملك توت عنخ آمون، وما يجعل هذه المومياء فريدة هو التقنية غير المسبوقة فى التحنيط؛ إذ لم يسبق العثور على مومياء ذات لفائف بهذا النمط الهندسى المعقد، والذى يقال إنه يحاكى الشكل الهرمى، هذه الميزات تشير إلى أن صاحب المومياء كان شخصية ذات شأن رفيع، ربما كاهنًا أو مسئولًا كبيرًا خلال العصر البطلمى، الذى امتد بين القرنين الثانى والثالث قبل الميلاد.

وأوضح حسين عبد البصير أنه تعذر على العلماء إلى الآن إزالة اللفائف المحيطة بالمومياء؛ نظرًا إلى ندرتها وهشاشتها، الأمر الذى دفعهم إلى استخدام تقنيات تصوير متطورة مثل التصوير المقطعى المحوسب (CT scans) والأشعة السينية (X-rays)، وقد كشفت هذه التقنيات أن المومياء تعود لرجل بلغ طوله حوالي 167 سم (5.5 أقدام)، ويمتلك بنية جسدية متوسطة، لم يظهر على الهيكل العظمي أى علامات لأمراض خطيرة أو إصابات واضحة قد تدل على سبب الوفاة.

وأشار حسين عبد البصير إلى أن التحليلات الكيميائية للفائف الكتانية تشير إلى استخدام مزيج متطور من الزيوت والراتنجات، مما ساهم في الحفاظ على اللفائف بشكل جيد عبر القرون، وشهد العصر البطلمي تطورًا مذهلًا في عمليات التحنيط، حيث جرى استخدام مواد حافظة مستوردة من مناطق أخرى فى العالم، مثل راتنجات الصنوبر المستوردة من شرق البحر الأبيض المتوسط، كما أن تحليل المواد العضوية كشف وجود آثار لمزيج من الكتان المغطى بطبقات دقيقة من الذهب، وهي تقنية لم تلاحظ إلا في مومياوات نادرة جدًا من هذه الفترة، مما يشير إلى مكانة المومياء الاجتماعية الرفيعة.

وتابع حسين عبد البصير أن مومياء "با شيري" تتميز بأسلوب لفّ معقد للوجه يشبه الشكل الهرمي، وهو ما لم يعثر عليه في أي مومياء أخرى معروفة، هذه السمة قد تكون ذات دلالة دينية، إذ كان الهرم رمزًا رئيسيًا في المعتقدات المصرية القديمة، حيث يمثل الصعود إلى العالم الآخر والانبعاث بعد الموت، ربما تعكس هذه التقنية المحنطة اعتقادًا خاصًا حول الانتقال إلى الحياة الآخرة، أو ربما كانت سمة مميزة لنخبة معينة من المجتمع المصري البطلمي.

وأكد حسين عبد البصير أن "با شيري" يرتدي طوقًا عريضًا من الخرز الملون، يتضمن صفوفًا متعددة ومشابك على شكل رأس صقر، وهو رمز واضح للإله حورس، الذي ارتبط بالملكية والحماية الإلهية، استخدام هذه المشابك يشير إلى أن صاحب المومياء كان يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة، ربما ككاهن رفيع أو مسئول إداري في البلاط البطلمي، ويتميز المئزر الذي يغطي جسد المومياء بمناظر طقسية متقنة، حيث يظهر المتوفى مستلقيًا على سرير جنائزي، تحيط به الإلهتان إيزيس ونفتيس في مشهد يعكس دورهما التقليدي في حماية الموتى ومساعدتهم على العبور إلى العالم الآخر. كما تظهر في النقوش أبناء حورس الأربعة، الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في حماية الأحشاء أثناء عملية التحنيط، مما يؤكد اتباع طقوس دينية دقيقة في تحنيطه.

وتابع حسين عبد البصير أن يشير وجود رسم مزدوج للإله أنوبيس عند قدمي المومياء إلى دور هذا الإله كحامٍ للموتى ومرشد لهم في العالم السفلي. ومن المعروف أن أنوبيس كان يتم استدعاؤه في الطقوس الجنائزية لضمان انتقال الروح بأمان، ما يعزز فكرة أن صاحب المومياء كان ذا أهمية دينية أو كهنوتية خاصة.

وأضاف حسين عبد البصير أن العصر البطلمي تميز بممارسات تحنيط متطورة، لكن مومياء "با شيري" تقدم نموذجًا فريدًا غير مسبوق، مما يثير تساؤلات حول الفئة الاجتماعية التي كانت تحظى بمثل هذا التحنيط، عند مقارنة هذه المومياء بمومياوات أخرى مثل تلك الخاصة بالكهنة البطالمة أو المسئولين في البلاط الملكي، نجد أن "با شيري" يتميز بأسلوب تغليف غير تقليدي، ما قد يشير إلى انتمائه إلى طائفة كهنوتية خاصة أو اتباعه طقوس دفن غير مألوفة حتى في سياق الفترة البطلمية.

وأضاف حسين عبد البصير يعتقد أن العصر البطلمي شهد تداخلاً واضحًا بين التقاليد الدينية المصرية القديمة والمعتقدات الهلنستية، ما أدى إلى ظهور طقوس جديدة في التحنيط والدفن، قد تكون طريقة لفّ المومياء جزءًا من طقوس غير معروفة حتى الآن، تتعلق بمعتقدات حول الانتقال إلى العالم الآخر وتأثير الفلسفات اليونانية على العقيدة المصرية، نظرًا إلى الطبيعة الفريدة للمومياء، يواجه العلماء تحديًا كبيرًا في محاولة كشف المزيد من التفاصيل دون الإضرار بها، ففتح اللفائف قد يؤدي إلى فقدان معلومات لا تقدر بثمن حول أسلوب التحنيط المستخدم، ولذلك تعتمد الدراسات الحديثة على الفحص غير الجراحي.

وأضاف حسين عبد البصير أن هوية المومياء تبقى لغزًا قائمًا، إذ لم يتمكن الخبراء من الاتفاق على تفسير موحد للكتابة داخل المقبرة، بعض الباحثين يرون أن الاسم قد يكون "با شيري"، بينما يعتقد آخرون أنه قد يكون "نينو"، عدم وضوح الكتابة وصعوبة تحديد المقاطع الهيروغليفية بدقة يضيفان مزيدًا من التعقيد إلى دراسة المومياء.

جدير بالذكر أن مومياء "با شيري" تمثل إحدى أبرز الاكتشافات المصرية التي لم يفك لغزها بالكامل بعد، حيث تعكس مستوى متقدمًا من التحنيط خلال العصر البطلمي، مع وجود عناصر غامضة تشير إلى طقوس أو معتقدات غير معروفة سابقًا، ومع استمرار تقدم التقنيات العلمية، قد نشهد في المستقبل اكتشافات جديدة تلقي الضوء على هوية هذا الشخص الفريد، ودوره في المجتمع المصري القديم، والسبب.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ترامب يدعو الشرع إلى الانضمام لاتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل

أطباء السودان: مقتل 4 أشخاص وإصابة 8 فى قصف مدفعى للدعم السريع على مدينة الأبيض

مهرجان كان 2025.. هالى بيرى تتصدر قائمة أسوأ الإطلالات النسائية بفستانها.. بيلا حديد تتألق بأسود ووشم عربى "أحبك وحبيبتى" على ذراعيها.. ونجمات يخالفن قواعد الملابس بالمهرجان السينمائى هذا العام

مصر تدعو المواطنين المتواجدين فى ليبيا بتوخى أقصى درجات الحيطة

ترامب: نأمل تحقيق الأمن للفلسطينيين ولا يمكن لإيران الحصول على سلاح نووى


أزمة مباراة القمة.. لجنة التظلمات تحسم غدا قرارها بشأن لقاء الأهلى والزمالك

قائمة المنتخبات المتأهلة لكأس العالم للشباب في تشيلي..مصر الأبرز فى أفريقيا

البحوث الفلكية يكشف أسباب شعور المصريين بزلزال البحر المتوسط

زلزال بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر يضرب تونجا

مواعيد مباريات اليوم.. الريال ضد مايوركا وميلان أمام بولونيا بنهائي كأس إيطاليا


اليوم الثانى من جولة ترامب الخليجية.. لقاءات حاسمة في الرياض والدوحة

اتجاه في اتحاد الكرة لرفض مطالبات الأندية بإلغاء الهبوط في اجتماع الثلاثاء

رحمة محسن من بائعة قهوة لتصدر مشهد الأغنية الشعبية

الطقس اليوم الأربعاء 14-5-2025.. أجواء حارة نهارا والعظمى بالقاهرة 31 درجة

حدث ليلا.. تغطية شاملة لزلزال اليوم بقوة 6.4 ريختر: كان قويًا نسبيًا

زلزال جديد.. الشبكة القومية ترصد أول هزة ارتدادية بقوة 2.69 ريختر

زلزال اليوم.. هزة أرضية تضرب القاهرة وعددا من المحافظات.. البحوث الفلكية: قوته 6.4 ريختر على بعد 631 كم شمال رشيد.. ورئيس المعهد: عمق الزلزال كان كبيرًا.. ويطمئن المواطنين: نتابع تداعيات الهزة الأرضية بشكل دقيق

عودة الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات فى العاصمة الليبية طرابلس

وفاة جورج وسوف شائعة وحالته الصحية بخير ويستعد لجولته الغنائية فى أوروبا

محامى رمضان صبحى يكشف حقيقة القبض على شخص يؤدى الامتحان بدلا منه

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى