الشيطان في الحضارات القديمة.. من القوى الخفية إلى التجسيد

مفهوم الشيطان حاضر في المخيلة البشرية منذ أقدم العصور، لكنه لم يكن دائمًا على نفس الصورة التي نعرفها اليوم، فقد اختلفت تصورات الشعوب القديمة حول الشر وقواه، ما بين تجسيدها كأرواح خبيثة، أو اعتبارها مجرد وهم، أو حتى رفعها إلى مرتبة الإلهية، ونستعرض في هذا المقال كيف تعاملت بعض الحضارات القديمة مع مفهوم الشيطان.
المايا في الهندوسية: الشر بين الوهم والحقيقة
في الديانة الفيدية الهندية، لم يكن الشر كيانًا مستقلًا بل كان مرتبطًا بمفهوم "مايا" (Maya)، وهي كلمة تعني "الوهم" أو "التغيير المدمر". لم تكن المايا مجرد قوة سلبية، بل كانت ذات طبيعة مزدوجة؛ فهناك مايا خيّرة ومايا شريرة. اعتُبرت المايا السيئة عاملًا للفوضى والتخريب، بينما استخدمت المايا الخيّرة في المعارك بين الآلهة والكائنات الشيطانية. ومع تطور الفكر الهندوسي، أصبح يُنظر إلى العالم المادي كله على أنه مايا، أي وهم يجب التحرر منه، واعتُبرت المادة في حد ذاتها شرًا يجب تجاوزه للوصول إلى الحقيقة المطلقة.
أهرمان في الزرادشتية: إله الظلام والشر
في الديانة الزرادشتية التي ظهرت في بلاد فارس، اتخذ الشر طابعًا أكثر وضوحًا، حيث تجسد في شخصية "أهرمان"، وهو نقيض الإله النوراني "أهورامزدا". كان أهرمان يمثل كل ما هو ظلامي وهدام، لكنه لم يكن قوة مطلقة، بل كانت مهمته الأساسية اختبار البشر في صراعهم بين الخير والشر. وكان أتباع الزرادشتية يؤمنون بأنهم مكلفون بمحاربة قوى الشر، عبر العبادة والتقوى والأعمال الصالحة، لضمان انتصار مملكة النور في النهاية.
الشيطان في الميثرائية: بين التحالف والعبادة
امتدت فكرة الشر في الديانات الفارسية إلى "الميثرائية"، وهي ديانة كانت منتشرة بين الجنود الفرس، حيث كان يتم استدعاء الشياطين وتسخيرها لخدمة أتباع الميثرائية. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل ظهر فرع متطرف من الميثرائية تمحور حول عبادة إله الشر نفسه، وممارسة الطقوس السحرية والإباحيات كجزء من الشعائر الدينية. ومع انتشار المسيحية، تراجعت هذه العقائد حتى اندثرت تمامًا في القرن الرابع الميلادي.
الأرواح الشريرة في اليونان: غياب الشيطان التقليدي
على عكس الحضارات الأخرى، لم يظهر مفهوم الشيطان بشكله المعروف في الأساطير اليونانية، لكن كان هناك اعتقاد بوجود أرواح شريرة تُعرف باسم "Alastor"، وهي كائنات كانت تجلب اللعنات والمآسي للبشر. لاحقًا، مع ظهور الأفكار الغنوصية في القرن الأول الميلادي، بدأت بعض الجماعات تؤمن بإمكانية السيطرة على هذه القوى الغامضة من خلال الطقوس والسحر، وهو ما ترك تأثيرًا على التصورات المسيحية المبكرة عن الشيطان.
Trending Plus