أكرم القصاص يكتب: حرية رأى أم إهانة رموز أم «بحث عن تريند»!

علينا أن نعترف أنه فى كل عصر كانت الصحافة والإعلام تثير الجدل بآراء مختلفة أو صادمة، لكن الأمر اتسع بشكل كبير مع مواقع التواصل، ورغبة بعض المستثمرين أو الإعلاميين فى تحقيق مشاهدة أو ربح حتى لو على حساب آخرين، وعندما يعترض أحد يرد آخرون بأنها وجهات نظر تحتمل الاختلاف والتنوع، بينما يراها البعض الآخر إهانة متعمدة لرموز فنية لها مواضعها.
وأضرب مثلا بما جرى مؤخرا، عندما قال مقدم بودكاست أو ضيفه إن «إسماعيل ياسين أسوأ ممثل.. صلاح أبوسيف مخرج مبالغ.. شكرى سرحان نال شهرة ونجومية أكبر بكثير من موهبته.. فيلم المومياء أيضا مبالغ فيه»، هذه الآراء يمكن بالفعل التعامل معها باعتبارها آراء لأصحابها، يمكن الاختلاف معها، وهى بالمناسبة آراء مشتركة بين عدد من الناس على مدى العصور، لكنها تطرح فى الواقع فى جلسات سوشيال ميديا تأخذ أحيانا شكل «جلسات حظ»، أو يرى البعض أنها لا يجب أن يؤخذ منها بجدية، باعتبارها جلسات إفيهات وفرفشة.
لكن البعض يرى أن طرح هذه الأفكار والأحكام فى توقيتات متقاربة يصنع حالة كأن هناك قصدية لإهانة رموز فنية معينة، خاصة أن إسماعيل ياسين مثلا نجم حتى الآن فى دول عربية ومع جمهور ظل يضحك مع إسماعيل ياسين لعقود، وقد يكون هناك اختلاف أذواق، أو فرق أزمنة، حيث لا يفترض محاكمة عصر بقواعد عصر آخر. وحتى لو كان هناك لا يفترض أن يقال فى جلسة عابرة كلها تريقة وضحك وكأنها جلسة «مساطيل»، فالحكم على فنان بحجم شكرى سرحان لا يفترض أن يتم بهذا العبط أو الاستخفاف، وإنما باحترام على الأقل لتاريخه، أو الحكم على فيلم المومياء بعصره، مع تقديره لجهد وعمل فى زمن كان هذا صعبا.
ونأتى إلى صلاح أبو سيف وهو مخرج عظيم بكل المقاييس، موهوب وكاتب ودارس فى إيطاليا وله أفلام من أعظم الأفلام العربية، 40 فيلما، كتب سيناريوهات عظيمة من أعماله، شباب امرأة، بداية ونهاية، بين السما والأرض، الزوجة الثانية، السقا مات، القادسية، البداية.. إلى آخره، ومنها أعمال من بين أعظم أفلام السينما، ولا مانع من النقاش حولها مع الاعتراف بأنها أيقونات، خاصة أن صلاح أبو سيف كان سابقا لعصره، ولديه عناصر شكلت قفزات فى عصره، بجانب موهبته كسيناريست كتب العديد من الأعمال أو شارك فيها، بل هو من وجّه نجيب محفوظ للسيناريو فى أعمال عظيمة وممن أخرجوا أفلاما عن روايات صعبة للروائى العظيم نجيب محفوظ، من الصعب أن نختصر الحكم على مسيرة مخرج عظيم مثل صلاح أبو سيف بهذه الخفة، ونفس الأمر مع غيره من المخرجين الذين لا شك قدموا الكثير ومهدوا لأمثال هؤلاء الذين يطلقون أحكاما خفيفة وسطحية أحيانا، ويفتحون الباب لسؤال «ماذا قدمت أنت أو هو لتصدروا أحكاما».
والحقيقة أنه باسم حرية الرأى يتم انتهاك أبسط قواعد هذه الحرية، ويتم حشر أى معلومات أو مواد، نرى هذا ليس فقط فى الفن والسينما وإنما فى كل التخصصات، نشاهد أحكاما على مراحل سياسية بتفاهة، وتصغير وانتزاع من السياق بل وتوظيف شهادات مضروبة أو مفبركة، والهدف لافت النظر وعمل «فرقعة»، فى الغالب تتحقق، وفى بعض الأحيان يلجأ بعض الفنانين ممن تنصرف عنهم الأدوار أو الأضواء لحيلة السوشيال ميديا، التى صارت وظيفة من لا مهنة له، استنادا إلى أن مستخدم السوشيال ميديا المنخرط فى الجمهور ليس هو نفسه الطبيعى، بل ويتحول إلى غوغائى مستهلك للفاسد من الأفكار، فى عالم يحتاج إلى وقود ليظل مشتعلا، ويصعب فيه التفرقة بين الجاد والهازل، بين المحترم وطالب التريند، الذى يريد شهرة على حساب فنان كبير.
بالفعل نحن أمام «مولد» يصعب فيه التفرقة بين رأى أو إفيه، قلشة أو نقد، رواية تاريخية أو حكاية مفبركة، وسط حالة «الألتراس» الذى يريد التغذى على مثل هذه الوجبات الفاسدة، مثلما كان هناك من يشعر بسعادة من الفرجة على صراع العبيد، لا فرق بين «بودكاست، أو فود بلوجر»، أو مدعى أو هجام افتراضى.

مقال أكرم القصاص فى عدد اليوم السابع
Trending Plus