الشيطان في الحضارة المصرية القديمة.. صراع مع أوزوريس وانتقام حورس

لطالما كان مفهوم الخير والشر حاضرًا فى المعتقدات الدينية للحضارات القديمة، وكانت مصر القديمة واحدة من تلك الحضارات التى جسدت هذه الثنائية فى أساطيرها وآلهتها. وفى هذا السياق، يعد المعبود ست من أبرز الشخصيات المرتبطة بالشر والدمار والانتقام، حيث يماثل إلى حد كبير صورة الشيطان فى الديانات الإبراهيمية. كان المصريون القدماء يؤمنون بأن ست هو إله العواصف والصراعات والقوى التدميرية، ورغم ذلك فقد نال قدرًا من العبادة، ليس حبًا فيه، بل اتقاءً لشره وخوفًا من بطشه.
ومن خلال أسطورة "ست"، نجد أن مفهوم الشيطان فى مصر القديمة لم يكن مشابهًا تمامًا للصورة المطلقة للشر كما هو الحال فى الديانات الإبراهيمية، فقد كان "ست" شريرًا فى بعض الجوانب، لكنه لم يكن مجرد رمز للشر المطلق، بل كان جزءًا من التوازن الكوني. ومع ذلك، فإن دوره فى قتل "أوزوريس" وسعيه إلى فرض سيطرته جعله العدو الأساسى لقوى الخير، مما يجعله أقرب تصوير للشيطان فى الفكر الدينى المصرى القديم.
مكانة "ست" فى الديانة المصرية القديمة
وفى الحضارة المصرية، احتل "ست" مكانة بارزة فى الميثولوجيا المصرية، خاصة فى مناطق الصعيد، حيث كان يعد المعبود القومي، وكانت عاصمته تُعرف باسم "أمبوس". وقد ارتبط رمزه بالقوة الجبارة والرعد والعواصف، وكان حيوانه المقدس هو “كلب البريا”، الذى اعتُبر تجسيدًا له فى العالم الحيواني. ورغم طبيعته العدائية، كان له دور فى حماية رع، إله الشمس، أثناء رحلته الليلية فى العالم السفلي، إذ كان يحارب الأفعى “أبوفيس”، العدو الأزلى لرع، مما يعكس التناقض فى شخصيته بين كونه مدمِّرًا وفى الوقت ذاته يؤدى دورًا فى حفظ التوازن الكوني.
الصراع بين "ست" و"أوزوريس"
تجسد الأساطير المصرية صراعًا أزليًا بين "ست" وأخيه "أوزوريس"، حيث كان الأخير إله الخير والنظام والخصوبة. ووفقًا للأسطورة، كان أوزوريس محبوبًا بين البشر، وسعى إلى نشر العدل والمعرفة، مما أثار غيرة ست ، الذى دبّر مؤامرة للتخلص منه والاستيلاء على عرشه. نجح ست فى تنفيذ خطته، فقام بقتل أوزوريس وتقطيع جسده إلى أجزاء متفرقة، لكن إيزيس، التى كانت تمتلك قوى سحرية عظيمة، استطاعت جمع أشلاء زوجها وأعادت إحياءه للحظة وجيزة، مكّنتها من الحمل منه. ومن هذا الاتحاد المقدس وُلد “حورس”، الذى أصبح رمزًا للانتقام واستعادة الحق المسلوب.
حورس والانتقام من ست
عندما كبر حورس ، خاض معركة شرسة ضد عمه ست لاسترداد عرش والده. امتدت هذه المعركة لسنوات طويلة، وشهدت العديد من المواجهات العنيفة، التى اتخذت أشكالًا مختلفة، من القتال الجسدى إلى التحديات السحرية. وفى النهاية، استطاع حورس الانتصار، وأعيد العرش إليه، ليُعاد بذلك النظام إلى الكون. ورغم هزيمته، لم يُمحَ ست تمامًا من الميثولوجيا المصرية، حيث ظل إلهًا للصحارى والعواصف، وتم دمجه فى بعض الطقوس الدينية لحماية مصر من الأعداء.
Trending Plus