عيد الأم.. يومٌ للذكرى والمحبة

في زحمة الأيام، وبين ضجيج الحياة، يمرّ على الكثير منا الكثير من اللحظات العابرة التي قد لا تترك فينا أثراً، ولكن هناك لحظات تبقى محفورة في القلب، تضيء عتمة الذاكرة. من بين هذه اللحظات، تبرز لحظة تكريم الأم، تلك اللحظة التي تأتي في عيدها، فتفتح في القلب أبواب الحب والجمال، وتعيد إلى الأذهان الصورة الأكثر نقاءً، صورة تلك التي تعبت من أجلنا، وعاشت لتمنحنا أروع معاني التضحية.
الأم، تلك الكلمة التي تنبض في صدورنا بأرقى المعاني، هي أول حب نعرفه، وأول حضن نبحث عنه في هذه الحياة، إنها القوة التي لا تكل ولا تمل، واليد التي تمتد لتمسك بأيدينا في كل مراحل حياتنا، ما بين الطفولة والشيخوخة، هي الحلم الذي نشترك فيه جميعًا، والحب الذي لا يراهن عليه الزمن.
في عيد الأم، نعود إلى الجذور، نغرس في قلوبنا شجراً من التقدير والعرفان، نرويها بأحاديث المحبة والاحترام، نتذكر كيف كانت هي أبطال حياتنا الصغيرة التي زرعت فينا الأمل والسعادة، كيف كانت تداوي جراحنا وتغسل آلامنا بابتسامة لا مثيل لها، حينما نحتفل بعيدها، لا نحتفل بيوم عابر، بل نحتفل بحياة، بحكاية، بل بحضنٍ يحتوي كل حكاياتنا، إنها ذكرى لا تحتفل بها الكلمات، بل بالأفعال التي يجب أن تكون دوماً أكبر من العبارات.
كم هو مؤلم أن نمر بعام كامل دون أن نعبر عن مدى حبنا لها، دون أن نخبرها كم هي غالية، وكم هي نبع من الحنان الذي لا ينضب.
في عيد الأم، نتذكر أن الأمهات لا يطلبن شيئاً سوى الحب، لا يطلبن سوى لحظة تقدير واحدة، لا يطلبن سوى أن يشعرن أن تضحياتهن لم تذهب سدى.
يا لها من نعمة أن يكون لنا أم، تلك التي تنام عيونها وتظل أرواحنا في قلبها، تلك التي تظللنا بحبها مهما كبرت أعمارنا، فالأم لا تكبر في أعيننا مهما تقدمت بها السنون، وتظل هي الوشم الذي يعلو فوق جبين الذاكرة، والهدية التي لا يملكون الكلمات لوصفها.
إن عيد الأم ليس مجرد مناسبة نحتفل بها في يوم معين من السنة، بل هو ذكرى تعيدنا إلى أصلنا، إلى دفء الوطن الأول الذي جاء في صورة امرأة ضحت، وهبت، وعطت دون حدود، هو فرصة لنقول لها: "أنتِ الحلم الذي لا نريد أن نستفيق منه أبدًا، وأنتِ الأمان الذي لا ننقضّ عليه إلا حين نحتاج إلى القوة".
فلنحتفل بعيد الأم إذًا، ولكن لنحتفل به بقلوبنا قبل كلماتنا، ولنحاول أن نرد جزءًا من تلك الدروس التي قدمتها لنا، في كل لحظة، في كل خطوة، في كل كلمة، في كل فعل، دعونا نحتفل بها كما لو أن كل يوم هو عيدها.
عيد الأم، ليس مجرد يوم، بل هو احتفال لا يتوقف في قلوبنا، هو حب مستمر في كل لحظة، يزهر مع كل شمس، ويبقى مع كل صباح.
Trending Plus