أهل العلم.. الخليفة المأمون نقطة من نور

اتسعت الدولة الإسلامية واطلعت على ثقافات مختلفة لشعوب العالم، وعندما جاءت الدولة العباسية شهد العلم عصرا ذهبيا بدأ من زمن الخليفة المأمون.
تولى المأمون الخلافة في سنة 27 أغسطس عام 813م، أدى تشجيعه للشعراء فى أيامه إلى إعطاء الشعر دفعة قوية، وكان تشجيعه للعلوم والفنون والآداب والفلسفة ذا أثر عظيم فى رقيها وتقدمها، وانبعاث حركة أدبية وعلمية زاهرة، ونهضة فكرية عظيمة امتدت أصداؤها من بغداد حاضرة العالم الإسلامى ومركز الخلافة العباسية إلى جميع أرجاء المعمورة، فقد استطاع المأمون أن يشيد صرحًا حضاريًا عظيمًا، وأن يعطى للعلم دفعة قوية ظلت آثارها واضحة لقرون عديدة.
لقد أرسل المأمون البعوث للحصول على مؤلفات علماء اليونان، وأجرى الأرزاق على طائفة من المترجمين لنقل هذه الكتب إلى اللغة العربية، وأنشأ مجمعًا علميًا فى بغداد، ومرصدين أحدهما فى بغداد والآخر فى "تدمر"، وأمر الفلكيين برصد حركات الكواكب، كما أمر برسم خريطة جغرافية كبيرة للعالم.
وكان لتشجيع المأمون لحركة الترجمة أكبر الأثر فى ازدهارها فى عهده، فظهر عدد كبير من العلماء ممن قاموا بدور مهم فى نقل العلوم والفنون والآداب والفلسفة إلى العربية، والإفادة منها وتطويرها، ومن هؤلاء: "حنين بن إسحاق" الطبيب البارع الذى ألف العديد من المؤلفات الطبية، كما ترجم عددًا من كتب أرسطو وأفلاطون إلى العربية.
ومن هؤلاء أيضا "يحيى بن ماسويه" الذى كان يشرف على "بيت الحكمة" فى بغداد وكان يؤلف بالسريانية والعربية، كما كان متمكنًا من اليونانية، وله كتاب طبى عن الحميات اشتهر زمنًا طويلًا، ثم ترجم بعد ذلك إلى العبرية واللاتينية، و"ميخائيل بن ماسويه" وكان طبيب المأمون الخاص، وكان يثق بعلمه فلا يشرب دواءً إلا من تركيبه.
ولعل من أبرز الأسباب التى أدت إلى ظهور تلك النهضة الحضارية والعلمية فى عصر المأمون ذلك الهدوء الذى ساد الأجواء بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية، والذى استمر لأكثر من عشرة أعوام.
ويظل الخليفة المأمون وجها مشرقا في تاريخ الحضارة الإسلامية وفي دعمه للعلم والعلماء، فهو بمثابة نقطة من نور بين الذين آمنوا بقدرة الحضارة العربية على استيعاب العلم وإنتاجه.
Trending Plus