سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 23 مارس 1968.. الرئيس الباكستانى يمنح أم كلثوم وسام «نجمة الامتياز» لغنائها قصيدة «حديث الروح» للشاعر محمد إقبال والسفير يقلدها الوسام فى حفل كبير بمنزله

وصلت سيدة الغناء العربى أم كلثوم إلى منزل سفير باكستان فى مصر «سجاد حيدر»، مساء يوم 23 مارس، مثل هذا اليوم، 1968، واستقبلها السفير بحرارة ومعه السيدة حرمه، وباقى الضيوف من كبار الشخصيات العربية والباكستانية وسفراء الدول الإسلامية الذين كانوا فى مقدمة الحاضرين، للمشاركة فى الاحتفال بتقليدها وسام «نجمة امتياز» الذى منحه لها الرئيس الباكستانى محمد أيوب خان، لغنائها قصيدة «حديث الروح» تأليف الشاعر والفيلسوف الباكستانى «محمد إقبال»، وتلحين الموسيقار رياض السنباطى.
كان احتفال السفارة بعد مرور ما يزيد على عشرة شهور على غناء أم كلثوم لقصيدة «حديث الروح» فى حفلها بسينما قصر النيل يوم 4 مايو 1967، والذى شهد وقوف السفير الباكستانى على خشبة المسرح قبل أن تبدأ أم كلثوم الغناء، وألقى كلمة وجه فيها الشكر لمشاركة الشعب المصرى فى الاحتفال بذكرى مرور 25 عاما على وفاة الشاعر الفيلسوف محمد إقبال بالأغنية التى تغنيها أم كلثوم، وقدم السفير لأم كلثوم صحبة ورد، وقال فى كلمته إن «إقبال» لم يكن شاعرا عظيما فحسب، وإنما كان سياسيا من الطراز الأول أيضا، وقصائده عن فلسطين وحرب طرابلس عامرة بالإيمان وزاخرة بالأمانى والآمال، حسبما تذكر مجلة «آخر ساعة» فى عددها رقم 1698، بتاريخ 10 مايو 1967
تذكر «آخر ساعة» أن قصيدة «حديث الروح» هى فى الواقع مزيج بين قصيدتين لمحمد إقبال، وترجمها السفير الباكستانى السابق فى مصر الدكتور محمد الأعظمى، ونظمها الشيخ الصاوى شعلان وهما «شكوى» و«جواب شكوى»، وأن أم كلثوم هى صاحبة الاقتراح بدمج القصيدتين لتكون قصيدة واحدة تتغنى بها، وآثرت ألا تقتصر الأغنية على الشكوى التى يبثها الشاعر إلى الله، وإنما تتضمن أيضا الجواب على هذه الشكوى.
وتقدم «آخر ساعة» نبذة قصيرة عن الشيخ الصاوى شعلان الذى نظم وشارك فى ترجمة القصيدتين، قائلة، أنه أحد عشاق أدب إقبال وفلسفته، وهو يستعد منذ سنوات للحصول على الدكتوراه «حصل عليها بعد ذلك» عن شعر إقبال من كلية الآداب جامعة القاهرة، وأنه يعد مذكرات رسالته على طريقة «برايل» فهو كفيف، وحصل بنفس الطريقة على شهادة العالمية من الأزهر وماجستير الآداب من معهد اللغات الشرقية، وكان تلميذا فى الأزهر عندما اشترك فى ثورة 1919، ففصل والتحق بوظيفة فى مصلحة السجون إلا أنه واظب على الدراسات لكى يصبح الدكتور شعلان.
كان غناء أم كلثوم لقصيدة «حديث الروح» حدثا مهما على أكثر من جهة، فهو أعادها إلى الغناء الدينى الفلسفى بعد خمس سنوات من قصيدة «التوبة» والتى قدمتها فى عام 1962، كلمات، عبدالفتاح مصطفى، ومن ناحية أخرى أنها جلبت الشهرة لدى العامة لشاعرها وأصبح اسمه وشعره على لسان كل عربى بعد أن كان معروفا فقط فى نطاق المثقفين والمهتمين بالآداب الفارسية والأردية، رغم أنه «من أكبر شعراء الإسلام فى عصرنا، تزود من الفلسفة القديمة والحديثة ما شاء له الذكاء والاجتهاد»، حسبما يذكر عبدالوهاب عزام فى العدد الأول من مجلة «الرسالة، 15 يناير 1933»، ولهذا استقبلت باكستان ما فعلته أم كلثوم بحفاوة هائلة، ترجمتها فى منح رئيسها نجمة الامتياز لها.
وحسب كتاب «أم كلثوم» إعداد، إيزيس فتح الله، ومحمود كامل، فإن السفير الباكستانى وبعد استقباله لها فى منزله ألقى كلمة نيابة عن فخامة الرئيس محمد أيوب خان، قال فيها: «يشرفنى أن أنوب عن فخامة السيد رئيس باكستان فى تقليد كوكب الشرق أم كلثوم وسام نجمة الامتياز الذى أنعم به عليها، لقد منحت السيدة أم كلثوم هذا الوسام الذى يعد من أرفع الأوسمة التى تمنح للمدنيين لإسهامها فى تكريم شاعر باكستان وفيلسوفها الدكتور محمد إقبال بغنائها قصيدة له، والواقع أن تكريم باكستان للفنانة العربية الكبيرة أم كلثوم يضيف إلى ما تلقاه من تكريم وتقدير فى الشرق وفى الغرب، وذلك لما أولاها الله من موهبة كبيرة وصوت سماوى وإخلاص كبير لفنها بما جعلها سيدة الغناء العربى على الإطلاق».
وأضاف السفير: «الواقع أنه مهما قلت عن السيدة أم كلثوم فإنى لن أتجاوز ما يشعر به كل عربى وكل مسلم من الشعور بالفخر والاعتزاز لأننا عشنا فى عهدها وفى أيامها، وحين غنت لإقبال أسهمت فى تعريف العالم العربى به، فإقبال لم يكن شاعر باكستان وحدها، بل كان شاعر الشرق وشاعر الإسلام الذى استمر كيانه من نور الكتاب الكريم ومعانيه من تراث الإسلام الخالد وتعبيراته من موقف البطولة التى زخر بها هذا الدين الحنيف، و«إقبال» واحد من شخصيات هذا العصر ومن المصلحين الذين حباهم الله بعد النظر وسلامة الحكم وحكمة التقدير».
Trending Plus