أحوال المصريين في زمن الخديوي إسماعيل.. كيف كان حال الفلاحين؟

مصر دولة قديمة ولها تاريخها المتصل، كما أنها دخلت إلى الحداثة سريعا خاصة في عهد الخديوى إسماعيل، لكن هذه الحداثة لم تلحق الفلاحين والعمال، فظلوا يعانون ومن ذلك ما رصده كتاب "مصر للمصريين" لـ ألكسندر شولش، والذي يقول تحت عنوان "أحوال الفلاحين والأقليات":
كان الفلاحون يُشكِّلون جمهرة المنتجين الزراعيين الذين يُنتجون ثروة الأمة، كما أن الحِرفيين وتُجار التجزئة وموظفي الخدمة العامة يسدون حاجة الناس إلى خدماتهم؛ فمجال هؤلاء وأولئك القرى وأحياء المدن، وشكَّلوا أعدادًا كبيرة من الوحدات الاجتماعية التي تفتقر إلى الوعي السياسي وإلى التنظيم الذي يلم شعثها ويربط بين بعضها البعض، فإذا غضضنا النظر عن تحركاتهم الإجبارية، وجدنا أن حراكهم كان محدودًا؛ فالقرية أو حي المدينة بالنسبة لهم هو الوطن.
عاش الفلاحون حياةً ترتبط بالأرض، فكانوا يفلحون المساحات الصغيرة من الأرض بأيديهم، وحدَّدت مواسمُ الزراعة ونهر النيل إيقاع حياتهم، فكانوا يرقبون فيض النهر وغيضه بقلق شديد، وفي كل عام كان احتمال وقوع كارثة فيضان يجرف التربة الخصبة أو جفاف يضر بالمحاصيل يزيد القرية ارتباكًا، ولمَّا كانت بيوت القرية مُشيَّدةً باللَّبِن، فإن انهيار الجسور أمام الفيضان يعني ذوبان القرية كما يذوب الثلج تحت حرارة الشمس.
فالقرية "التي يُحاصرها الفيضان السنوي" اعتبرت جهاز السلطة البيروقراطي خطرًا يتهدَّدها، واعتمد بقاء القرية في الوجود على عطاء النيل غير المضمون، ولكن ذلك الوجود كان مرهونًا أيضًا بالمطالب التي لا يمكن تجنُّبها التي تأتي من القاهرة، فإذا أتاح النيل للقرية فرصة البقاء، كان عليها أن تتطلَّع نحو وكلاء الحاكم، تُرى، كم يبلغ مقدار الضرائب الذي على أهالي القرية أن يدفعوه هذا العام؟ وكم من الرجال سيُجنَّدون في الجيش أو يُطلَبون للسخرة لشق ترع لا تروي حقولهم، ولفلاحة مزارع الحاكم أو الذوات؟ ووفقًا لتقدير علي مبارك — ناظر الأشغال العمومية — كانت السخرة "المشروعة" تتطلَّب 39.5 مليون يوم عمل عام 1880، ويُقصد بها السخرة في حفظ الجسور والترع
ولا عجب أن يكون حكم عباس "الرجعي" أسعد أيام الفلاحين؛ فلم يشن أيَّة حروب، ولم يشق ترعًا جديدة؛ ومن ثَم لم يفرض ضرائب جديدة. ولكن الفترة التي شهدت فيها مصر عملية "التحديث" تحت حكم إسماعيل كانت أشقى أيامهم؛ فعبء الضرائب فاق قدرتهم على الاحتمال، ولم يكن الهرب من الأرض أو مواجهة جباة الضرائب مواجهةً عنيفة ليجدي نفعًا؛ فلم يكن أمامهم سبيل للنجاة سوى هجر القُرى تمامًا؛ عندئذ يمنح الخديو الأراضي المهجورة لرجاله المخلصين.
وفي مثل هذا المناخ يظهر أدعياء المهدية لتحقيق الخلاص؛ ففي عام 1865 دعا المهدي أحمد الطيب إلى ثورة اجتماعية دينية في الصعيد، ومقاومة الأتراك، وإعادة توزيع الملكيات والقضاء على الأفكار الدينية التي تلقَّن في القاهرة. وقد أقام "الأتراك من ضباط إسماعيل مذبحةً للمهدي وأتباعه، اختفت خلالها قرًى بأكملها من على وجه الأرض، وذُبح سكانها أو نفوا بعيدًا عنها".
Trending Plus