تصاعد أعمال العنف فى الكونغو الديمقراطية.. نزوح 100 ألف شخص من مقاطعة إيتورى.. 43% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائى.. وأطباء بلا حدود: تدمير 50% من المراكز الصحية والنساء والأطفال الأكثر تعرضا للعنف

يشهد إقليم شرق الكونغو الديمقراطية، تصاعدا كبيرا فى أعمال العنف، من عدة جماعات مسلحة، فبعد سيطرة حركة 23 مارس المسلحة المدعومة من رواندا، على إقليم شمال وجنوب كيفو، وفرض سيطرتهم على مدن رئيسية فى الإقليم الغنى بالمعادن، سيطرت جماعات مسلحة على مقاطعة إيتورى شمال شرق الكونغو.

ويعيش سكان مقاطعة إيتوري، شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسط أعمال عنف مروعة ونزوح واسع النطاق ونقص فى المساعدات المنقذة فى الحياة، يواجهون صعوبات جمة فى الحصول على الرعاية الصحية.

ومن جهتها دعت منظمة أطباء بلا حدود جميع الجماعات المسلحة فى إيتورى إلى تجنب استهداف المدنيين والمرافق الصحية، وكشفت عن حجم الفظائع التى تجرى فى مقاطعة إيتورى.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود، فى بيان جديد: "شهدت منظمة أطباء بلا حدود، تصاعدًا متجددًا فى الفظائع فى مقاطعة إيتورى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تُقدم فرقنا الطبية الرعاية للمدنيين المصابين بإصابات بالغة.

وفى تقرير جديد صدر اليوم بعنوان "يخاطرون بحياتهم من أجل البقاء"، تُسلّط أطباء بلا حدود الضوء على الاحتياجات المُلحّة للعديد من المجتمعات المُعرّضة للخطر بسبب الهجمات الأخيرة، وتزايد النزوح، وتراجع المساعدات الإنسانية.

وقال البيان: "لعقود، كان سكان إيتورى، شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، أهدافًا مباشرة، وعُوملوا كأضرار جانبية فى صراع معقد اتسم بالعنف والانقسامات العرقية ومشاركة جماعات مسلحة مختلفة، كما أعاق هذا الصراع بشكل كبير إمكانية الحصول على الرعاية الصحية وسبل إطعام الأسر، بينما تسبب تقييد تقديم المساعدات الإنسانية فى مزيد من المعاناة لمجتمع لا يحظى أصلًا إلا بقدر ضئيل من الاهتمام الدولي".

وأضاف: "تدعو منظمة أطباء بلا حدود جميع الجماعات المسلحة الحكومية وغير الحكومية فى إيتورى إلى تجنب استهداف المدنيين، وكذلك المرافق الصحية، التى تعد ملاذات آمنة ضرورية لبقاء المجتمعات المحلية".

وتابع :"أدى العنف فى إيتورى إلى نزوح نحو 100 ألف شخص منذ بداية العام، وفقًا للأمم المتحدة، وفى شهرى يناير وفبراير وحدهما، أفادت المنظمة بتصاعد العنف ضد المدنيين، حيث أسفرت الهجمات عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة العشرات، وفى فبراير، عالجت الفرق الطبية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم أربع سنوات ونساءً حوامل من جروح ناجمة عن السواطير والأعيرة النارية، وذلك عقب هجمات شنتها الميليشيات فى منطقة دجوغو".

ومن جهتها قالت عليرا هاليدو، رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود فى جمهورية الكونغو الديمقراطية: "تأتى هذه الهجمات الأخيرة فى أعقاب عقود من العنف وعواقبه المدمرة على المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال فى إيتوري".

وأضافت: "تتميز الأزمة هنا بالنزوح المتكرر، حيث يُجبر العنف المدنيين على استعادة حياتهم وبدء حياتهم من جديد، مرارًا وتكرارًا، والأسوأ من ذلك، أن القصص التى يرويها لنا المرضى والمجتمعات المحلية لا تُمثل سوى غيض من فيض".

إعاقة الوصول إلى الرعاية الصحية

وكشفت منظمة أطباء بلا حدود، أن عدد قليل من الناس، فقط يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية فى إيتورى، حيث تتعرض المرافق الصحية أيضًا للهجمات، ففى منطقة دجوغو، اضطر مستشفى فاتاكى العام إلى تعليق أنشطته وإجلاء المرضى فى منتصف مارس الجارى، إثر تهديدات من جماعات مسلحة، ويؤثر هذا الإغلاق على آلاف الأشخاص، الذين تُركوا دون رعاية طبية.

وتابع البيان: "وفى منطقة درودرو الصحية، الواقعة أيضًا فى دجوغو، دُمِّر ما يقرب من 50% من مراكز الرعاية الصحية جزئيًا أو كليًا، واضطرت إلى نقلها، وعندما تصاعد العنف فى مثل هذا الوقت من العام الماضى، قُتلت مريضة على سريرها فى هجوم مسلح على مستشفى درودرو العام".

ولا تقتصر هذه الهجمات على إحجام المرضى عن زيارة المرافق الطبية، بل تُعرّض الطاقم الطبى للخطر أيضًا، إذ روى طبيب أُجريت معه مقابلة فى هذا التقرير كيف أنه، عندما أُجبر مركز صحى على الإغلاق لمدة شهرين، استمر فى إجراء عمليات قيصرية.

وقال: "كان الأمر خطيرًا، وكنت أخاطر بحياتى، لكن لم يكن أمامنا خيار آخر، واضطررنا للتسلل إلى هناك مع النساء، وإلا لكُنَّ قد لقين حتفهن".

استهداف الفئات الأكثر ضعفا

كان أكثر من نصف ضحايا العنف الـ 39 الذين عالجتهم منظمة أطباء بلا حدود فى عيادة سلامة فى بونيا، حتى منتصف مارس 2025، من النساء والأطفال.

وفقدت إحدى الأمهات، التى أصيب طفلها البالغ من العمر أربع سنوات، رضيعها البالغ من العمر ستة أشهر وزوجها فى هجوم بالساطور، وتلقت شقيقتان، تبلغان من العمر أربع سنوات وستة عشر عامًا، ضربات بالساطور فى الرأس والذراعين، كما أصيبت والدتهما وهى حامل فى شهرها الثامن بجروح بالغة جراء جروح متعددة بالساطور، وتابع البيان: "عالجنا طفلًا فى التاسعة من عمره مصابًا بطلق نارى فى البطن، وكان قد شهد مهاجمين يهاجمون والدته وشقيقيه ويقتلونهم بالساطور".

وتابع البيان: "عندما يلجأ المدنيون إلى مخيمات النازحين، يظلون فى خطر، فى إحدى الحالات، فى سبتمبر 2024، عالجت فرقنا خمسة مدنيين مصابين بطلقات نارية إثر هجوم على مخيم بلين سافو، فى منطقة فاتاكى الصحية".

ومع تصاعد الهجمات على المدنيين، يزداد أيضًا عدد ضحايا العنف الجنسى الذين يلجأون إلى مرافق أطباء بلا حدود، وتتعرض النساء تحديدًا للهجوم أثناء خروجهن بحثًا عن سبل العيش لأنفسهن وأسرهن.

فى درودرو، فى عامى 2023 و2024، تعرض حوالى 84% من ضحايا العنف الجنسى الذين عالجتهم أطباء بلا حدود للهجوم أثناء عملهم فى الحقول، أو جمع الحطب، أو على الطريق.

تفاقم الاحتياجات غير المسددة

على الرغم من جهود وزارة الصحة ومنظمة أطباء بلا حدود ومنظمات إنسانية أخرى، فإن احتياجات السكان تفوق بكثير الموارد المتاحة، إذ تفاقم انعدام الأمن الغذائى بشكل حاد فى إيتورى عام 2024، وأصبح الآن حالة مزمنة يعانى منها 43% من السكان.

وتؤدى ظروف النظافة المتردية وتدهور الملاجئ فى مخيمات النازحين إلى انتشار أمراض الإسهال والجهاز التنفسى بسهولة، ويصاب الأطفال دون سن الخامسة أكثر من غيرهم.