إذاعة القرآن الكريم من القاهرة

احتفلت مصر بمرور 61 عاما على إنشاء إذاعة القرآن الكريم، ففي الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة 1383هـجرية الموافق 25 مارس من عام 1964 تنطلق من القاهرة العربية أول إذاعة ناطقة للقرآن الكريم في العالم العربي والإسلامي لتحمل عبر الأثير آيات القرآن الكريم بأصوات كبار القراء المصريين إلى باقي دول العالم وتترسخ مكانة وريادة وقيادة مدرسة القراءة المصرية في المشرق والمغرب، ويصبح القرآن الكريم واحدا من أهم أدوات القوة الناعمة لمصر خارج حدودها في الستينيات وبعدها.
جاء تأسيس الإذاعة ردا على المحاولات المشبوهة لتحريف القرآن الكريم مع ظهور نسخ مذهبة من المصحف الريف ذات ورق فاخر وإخراج أنيق تتضمن تغيير وتحريف في بعض الآيات وهو ما اعتبره الأزهر وقتها "حملة مقصودة"، ويجتمع كبار العلماء بالأزهر الشريف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووزارة الأوقاف لمناقشة الأمر. وعقب عدة اجتماعات تتراءى فكرة من الشيخ لبيب السعيد وكيل وزارة الأوقاف ويعرضها على المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهيئة كبار العلماء، وهي تسجيل القرآن الكريم مرتلاً برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، وعلى أسطوانات لحفظه من التحريف توزع نسخة منه على المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي وجميع المراكز الإسلامية في العالم.
وعرض الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإرشاد القومي الأمر على الرئيس جمال عبد الناصر الذي أصدر قرارا جمهوريا بتأسيس الإذاعة، وبدأ إرسالها بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحًا، ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساءً، على موجتين قصيرة ومتوسطة. وفي ديسمبر بدأت خطوة ثانية تهدف إلى تحقيق التنويع في الأصوات التي تقدم التلاوة، فأنجزت مشروع تسجيل ثلاث ختمات مرتلة بقراءة حفص عن عاصم للقراء الثلاثة، الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ محمد صديق المنشاوي، الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وتم تسجيل ختمة مرتلة أخرى بصوت الشيخ محمود على البنا عام 1967، وكانت البداية الحقيقية لمضمون رسالة إذاعة القرآن الكريم الإعلامية فى يونيو 1966 بعد أن تم إدخال أذان الصلوات وبعض برامج تفسير القرآن الكريم، وبدأت الإذاعة وقتها بـ7 برامج تذاع على مدار اليوم.
تولى إدارة الإذاعة فور انطلاقها الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، الذى أهدى إليها التسجيلات الإذاعية النادرة لشيخ القراء محمد رفعت، صاحب أول تلاوة قرآنية في تاريخ الإذاعة يوم تأسست عام 1934، وكانت هذه التلاوات متفرقة بين تسجيلات الـ«بى بى سى» التي سجلها الشيخ رفعت قبل مرضه فى الأربعينات، وبعض التسجيلات الخارجية النادرة.
وبعد محمود حسن إسماعيل، تولى رئاستها رفيق دربه كامل البوهى، الذى يعد بحق المؤسس الفعلي لإذاعة القرآن الكريم، وفى عهده جرى تسجيل القرآن الكريم بعدة أصوات من أساطين القراء مثل مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد ومحمد صديق المنشاوى ومحمود على البنا، وتميز الشيخ الحصرى بتسجيل القرآن بقراءاته المختلفة، فضلا عن "المصحف المعلم".
كان الخليفة الراشد أبو بكر الصديق هو أول من بدأ جمع القرآن الكريم في مصحف وذلك بعد إلحاح من عمر بن الخطاب رضى الله عنهما بعد مقتل معظم حفظة القرآن في حروب الردة، والخليفة الراشد عثمان بن عفان هو صاحب أول مصحف تم جمع وترتيب سور القرآن الكريم به، والرئيس جمال عبد الناصر هو أول حاكم مسلم في التاريخ يتم في عهده جمع القرآن الكريم مسموعا (مرتلا و مجودا) في ملايين الشرائط و الأسطوانات بأصوات القراء المصريين.
كان الرئيس جمال عبد الناصر أكثر حاكم عربي ومسلم حريص على الإسلام ونشر روح الدين الحنيف في العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر، ولم يقتصر الأمر عند إذاعة القرآن الكريم فقد سجلت بعثات نشر الإسلام في أفريقيا وأسيا في عهده أعلى نسب دخول في الدين الإسلامي في التاريخ، حيث بلغ عدد الذين اختاروا الإسلام دينا بفضل بعثات الأزهر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر 7 أشخاص من كل 10 أشخاص وهى نسب غير مسبوقة و غير ملحوقة في التاريخ حسب إحصائيات مجلس الكنائس العالمي.
وفى عهده تم زيادة عدد المساجد في مصر من أحد عشر ألف مسجد قبل الثورة إلى واحد وعشرين ألف مسجد عام 1970، أى أنه في فترة حكم 18 سنة للرئيس جمال عبد الناصر تم بناء 10 آلاف مسجد) وهو ما يعادل عدد المساجد التي بنيت في مصر منذ الفتح الإسلامي وحتى عهد جمال عبد الناصر.
وتم جعل مادة التربية الدينية (مادة إجبارية) يتوقف عليها النجاح أو الرسوب كباقي المواد لأول مرة في تاريخ مصر بينما كانت اختيارية في النظام الملكي.
وتم تطوير الأزهر الشريف وتحويله لجامعة عصرية تدرس فيها العلوم الطبيعية بجانب العلوم الدينية.
يقول الأستاذ محمد فائق في كتابه (عبد الناصر والثورة الأفريقية) أن الرئيس عبد الناصر أمر بتطوير الأزهر بعد أن لاحظ من متابعته لأوضاع المسلمين في أفريقيا، أن قوى الاستعمار الغربي كانت حريصة على تعليم المسيحيين العلوم الطبيعية (الطب – الهندسة – الصيدلة) ، ومنع تعليمها للمسلمين مما أدى لتحكم الأقليات المسيحية في دول أفريقية غالبية سكانها من المسلمين، وكانت هذه الأقليات المسيحية تتحكم في البلدان الأفريقية المسلمة وتعمل كحليف يضمن مصالح قوى الاستعمار الغربي التي صنعتها، لذا صمم الرئيس عبد الناصر على كسر هذا الاحتكار للسلطة وتعليم المسلمين الأفارقة علوم العصر ليستطيعوا حكم بلدانهم لما فيه مصلحة تلك البلدان.
أنشأ عبد الناصر مدينة البعوث الإسلامية التى كان ومازال يدرس فيها عشرات الآلاف من الطلاب المسلمين على مساحة ثلاثين فداناً تضم طلاباً قادمين من سبعين دولة إسلامية يتعلمون في الأزهر مجانا ويقيمون في مصر إقامة كاملة مجانا أيضا، وقد زودت الدولة المصرية بأوامر من الرئيس عبد الناصر المدينة بكل الإمكانيات الحديثة وقفز عدد الطلاب المسلمين في الأزهر من خارج مصر إلى عشرات الأضعاف بسبب ذلك.
كما أنشأ منظمة المؤتمر الإسلامي التي جمعت كل الشعوب الإسلامية، فى عهد عبد الناصر تم ترجمة القرآن الكريم إلى كل لغات العالم.
وفى عهد عبد الناصر تم تنظيم مسابقات تحفيظ القرآن الكريم على مستوى الجمهورية، والعالم العربي، والعالم الإسلامي، وكان الرئيس عبد الناصر يوزع بنفسه الجوائز على حفظة القرآن.
وتم وضع موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي والتي ضمت كل علوم وفقه الدين الحنيف في عشرات المجلدات وتم توزيعها في العالم كله، فى عهد عبد الناصر تم بناء آلاف المعاهد الأزهرية والدينية في مصر وتم افتتاح فروع لجامعة الأزهر في العديد من الدول الإسلامية.
و صدر قانون بتحريم القمار ومنعه، كما أصدر عبد الناصر قرارات بإغلاق كل المحافل الماسونية ونوادي الروتاري والمحافل البهائية.
ووصلت الفتاة لأول مرة إلى التعليم الديني ، كما تم افتتاح معاهد أزهرية للفتيات، وأقيمت مسابقات عديدة في كل المدن لتحفيظ القرآن الكريم، وطبعت ملايين النسخ من القرآن الكريم، وأهديت إلى البلاد الإسلامية وأوفدت البعثات للتعريف بالإسلام في كل أفريقيا و أسيا، كما تمت طباعة كل كتب التراث الإسلامي في مطابع الدولة طبعات شعبية لتكون في متناول الجميع.
كان جمال عبد الناصر حريصاً على أداء فريضة صلاة الجمعة مع المواطنين في المساجد الكبرى طيلة عهده.
في السنوات الأخيرة تراجع دور الإذاعة بقدر ما وثار جدل حول بعض البرامج مع إذاعة الإعلانات ولكن في الأسابيع الأخيرة قرر أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام نقل برامج ومنع الإعلانات والاعتماد على الأصوات التاريخية لمدرسة القراءة المصرية في تلاوة وترتيل القرآن والآذان في محاولة جادة لاستعادة وهج وبريق إذاعة القرآن الكريم.
Trending Plus