سجلت على ألواح المقابر.. مفهوم اللعنة فى المجتمع اليونانى القديم

آمن الإغريق القدماء إيمانا راسخا بقوة اللعنات وقدرتها على التأثير فى حياة الأفراد والعائلات، بل وحتى مدن بأكملها، واعتبرت اللعنات وسيلة مباشرة لاستدعاء قوى خارقة للطبيعة لإلحاق الأذى بالعدو، وفقًا للأساطير القطيمة، وكثيرًا ما كانت هذه اللعنات تكتب على ألواح من الرصاص تعرف باسم "كاتاديسموي"، وأحيانًا كان الناس يرددونها بصوت عالٍ في طقوس مقدسة، وقد عثر على العديد من ألواح اللعنة فى المقابر والآبار والمزارات، وهذا يشير إلى ممارسة شائعة متجذرة في الاعتقاد بإمكانية الاستعانة بقوى خارقة للطبيعة للتدخل في شئون البشر.
ولعبت اللعنات دورًا هامًا فى الحياة الدينية اليونانية، لا سيما فى النزاعات الخاصة والقانونية، فى هذه الألواح كان الأفراد يطلبون التدخل الإلهي ضد منافسيهم أو أعدائهم أو من ينظر إليهم على أنهم مخطئون، بالإضافة إلى ذلك، طلبت العديد من هذه النصوص من الآلهة إضعاف قدرة الخصم على الكلام أو الذكاء أو القدرات البدنية، غالبًا في سياق الدعاوى القضائية أو المنافسة التجارية، وفقا لما ذكره موقع جريك ريبوت.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك لوح لعنة يعود تاريخه إلى القرن الرابع قبل الميلاد من أثينا، حيث يتوسل رجل يدعى بولياس إلى معبودات العالم السفلي لربط لسان خصمه وأفعاله في المحكمة: "أتمنى أن يجعله هيرميس وبيرسيفوني عاجزًا عن الكلام والعقل، حتى يهزم ويدمر"، تناولت المآسي اليونانية مرارًا القوة المدمرة لللعنات، لا سيما في سياق الهلاك العائلي.
ويُعدّ بيت أتريوس، كما وصف في مسرحية أوريستيا لإسخيلوس، أحد أشهر الأمثلة هناك تستمر دورة من سفك الدماء والانتقام بفعل لعنة أسلاف، وبالمثل، تركز مسرحية أوديب ملكًا لسوفوكليس على نبوءة ولعنة إلهية، تقود هذه اللعنة أوديب إلى تحقيق مصير يسعى جاهدًا لتجنبه.
تعكس هذه المسرحيات المفهوم اليوناني للعنات، فبمجرد أن تلفظ - سواء من قِبل الآلهة أو الأسلاف أو البشر - فإنها قد تشكل مصير الأفراد وسلالات بأكملها، وهكذا، صور المسرحيون المأساويون اللعنات ليس فقط كأمراض شخصية، بل كقوى تقيد أفعال البشر بمصير لا مفر منه.
كثيرًا ما تذكر النصوص الأدبية والفلسفية اليونانية اللعنات، مما يعكس أهميتها في المجتمع، فقد سجل المؤرخ اليوناني هيرودوت حالات عديدة أثرت فيها لعنات قوية على أفراد ومدن بأكملها. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، روى كيف أصيب الملك الإسبرطي كليومينيس الأول بالجنون، ويزعم أنه بسبب تأثير لعنة من معبود ما، وهذا يشير إلى أنه حتى أقوى الشخصيات لم تكن بمنأى عن آثار العقاب الخارق للطبيعة، يستكشف الشاعر اليوناني يوربيديس باستمرار العواقب المدمرة لللعنات في مآسيه، على سبيل المثال، في مسرحيته ميديا، يستدعي البطل قوى الظلام ضد جيسون وزوجته الجديدة، وهذا يطلق العنان لسلسلة من الأحداث الكارثية، وبالمثل، في مسرحيته هيبوليتوس، يلقي ثيسيوس لعنةً على ابنه، مما يؤدي إلى وفاته المأساوية - وهي قصة تبرز الطبيعة الحتمية والمميتة لمثل هذه الاستدعاءات.
كما يؤمن الفيلسوف اليوناني أفلاطون، فى كتابه "القوانين"، بقوة اللعنات وخطورتها، ويحذر صراحةً من ممارستها، مُعتبراً إياها مصدر شرّ عظيم، ويصف كيف يستعين الناس بقوى شريرة قديمة لإيذاء الآخرين، مُلحقين الدمار ليس فقط بالملعون، بل بمن يُطلقها أيضاً.
Trending Plus