فضل ليلة القدر.. فضائل جاءت فى كتاب "تذكرة الصوام"

يترقب المسلمون فى الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك ليلة القدر وذلك لفضلها الكبير، ونتوقف مع كتاب "تذكرة الصوام بشىء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام" لـ عبد الله بن صالح القصير، والذى يقول:
فضل ليلة القدر ليلة القدر ليلة شريفة، خصها الله بخصائص عظيمة، تنبئ عن فضلها ورفعة شأنها، منها:
1- أنها الليلة التي أنزل فيها القرآن، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ففي تخصيصها بذلك تنبيه على شرفها وتنويه بفضلها، حيث أنزل الله تعالى فيها أعظم الذكر وأشرف الكتب، ففي قراءته فيها أخذ بسبب من أعظم أسباب الهدى ودواعي التقى.
2- وصف الله تعالى بأنها مباركة، بقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3]، فهي مباركة لكثرة خيرها وعظم فضلها، وجليل ما يعطي الله من قامها إيمانا واحتسابا من الخير الكثير والأجر الوفير.
3- إخباره تعالى عنها، بقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى صحف الكتبة
من الملائكة من الأمور المحكمة مما يتعلق بالعباد، من أمر المعاش والمعاد إلى مثلها من العام القابل، من الأرزاق والأعمال والحوادث والآجال، ونحو ذلك من الأمور المحكمة المتقنة بمقتضى علم الله تعالى وحكمته ومشيئته وقدرته، وذلك كله مما يبين شرف تلك الليلة وعظم شأنها.
4- ما يفيده قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] من التنبيه على فضل قيامها وكثرة الثواب على العمل فيها، مع مضاعفة العمل، فإن عبادة الله تعالى وما يناله العبد من الثواب عليها خير من العبادة في ألف شهر خالية منها، وذلك ينيف عن ثمانين سنة، وإذا كان العمل الصالح يضاعف في رمضان ويضاعف ثوابه، فكيف إذا وقع في ليلة القدر؟ فلا يعلم إلا الله تعالى ما يفوز به من قامها إيمانا واحتسابا من الأجر العظيم والثواب الكريم.
5 - تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة لأهل الإيمان، كما قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ - سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 4 - 5] ولذا فهي ليلة مطمئنة تكثر فيها السلامة من العذاب والإعانة على طاعة الغفور التواب.
6 - ما ثبت في الصحيحين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»، فهي ليلة تغفر فيها الذنوب، وتفتح فيها أبواب الخير، وتعظم الأجور، وتيسر الأمور.
فلهذه الفضائل العظيمة وغيرها تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الحث على تحري هذه الليلة في ليالي العشر الأخير من رمضان، وبيان فضلها، وفي سنته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في قيامها، وهدي أصحابه رضي الله عنهم من الاجتهاد في التماسها ما يبعث همم طلاب الآخرة والراغبين في العتق والمغفرة مع وافر الأجر وكريم المثوبة، إلى اتباعهم على ذلك بإحسان، التماسا لرضا الرحمن، والفوز بفسيح الجنان.
ولم يرد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نص صريح أنها في ليلة معينة لا تتعداها في كل سنة، وما ورد من النصوص في تحديدها بليلة معينة فالمراد - والله أعلم - في تلك السنة التي أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عنها فيها وحث على قيامها بعينها، وبهذا تجتمع الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وتفيد تلك الأحاديث أنها تنتقل من سنة إلى أخرى، فقد تكون في سنة ليلة إحدى وعشرين، وفي أخرى ليلة ثلاث وعشرين، وفي ثالثة أربع وعشرين، وهكذا.
قال الحافظ في الفتح: أرجح الأقوال أنها في الوتر من العشر الأخير وأنها تنتقل .
قلت: ومما قرره أهل العلم بشأنها أنها تتحرى وتطلب في ليالي الشفع كما تطلب في ليالي الوتر، ولهذا جاء في بعض الأحاديث ونقل عن بعض السلف تحديدها في بعض الأعوام في ليالي الشفع من العشر.
وقد وجّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذلك بقوله: "إن كان الشهر تاما فكل ليلة من العشر وتر، إما باعتبار الماضي كإحدى وعشرين، وإما باعتبار الباقي كالثانية والعشرين، وإن كان ناقصا فالأوتار باعتبار الباقي موافقة لها باعتبار الماضي".
ولهذا ينبغي أن يتحراها المؤمن في كل ليالي العشر، عملا بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» متفق عليه.
وإنما أخفى الله علمها عن العباد رحمة بهم ليكثر اجتهادهم في طلبها، وتظهر رغبتهم فيها، وتكثر العبادة فيها، ليحصلوا
على جليل العمل وجزيل الأجر بقيامهم لتلك الليالي المباركة، كل ليلة يظنون أنها ليلة القدر، فإنهم بقيامهم لتلك الليالي يثابون على قيام كل ليلة - لا سيما وأنهم يحتسبون أنها ليلة القدر، والأعمال بالنيات - مع أنهم يدركون ليلة القدر قطعا إذا قاموا كل ليالي العشر.
ولهذا كان من سُنةّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الاعتكاف تلك العشر، وهذا فيه الاجتهاد في العبادة، وبذل الوسع في تحري تلك الليلة، فينقطع في المسجد - تلك المدة - عن كل الخلائق، مشتغلا بطاعة الخالق، قد حبس نفسه على طاعته، وشغل لسانه بدعائه وذكره، وتخلى عن جميع ما يشغله، وعكف بقلبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له سوى الله وما شغل نفسه إلا بما فيه رضاه.
وحقيقة أن الاعتكاف سُنّة مأثورة وشعيرة مبرورة، وقد أوشكت أن تكون بين الناس مهجورة، فينبغي - لمن تيسّر له أمره - إحياؤها والترغيب فيها، فإن: «من سَنّ في الإسلام سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء» رواه مسلم، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم.
ومما ينبغي التفطن له تربية الأهل على العناية بهذه الليالي الشريفة، وإظهار تعظيمها، والأخذ بسُنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فيها، فقد كان يوقظ أهله . وكل من يطيق القيام للصلاة والذكر، والتنافس فيما ينال به عظيم الأجر من خصال البر، حرصا على اغتنام هذه الليالي المباركة، فيما يقرب إلى الله تعالى، فإنها من فرص العمر وغنائم الدهر.
ومما يدعو إلى القلق وعظيم الحزن تساهل بعض الناس - هدانا الله وإياهم - فيها، وزهدهم في خيرها، حيث يظهر منهم الكسل فيها أكثر مما سبقها من الشهر، حتى يتخلّفون عن الفرائض ويهجرون المساجد، ويزدحمون في الأسواق، ويرتكبون بعض خصال النفاق، نسأل الله تعالى لنا ولهم العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا من المسارعين إلى المغفرة والجنات، المتنافسين في الخيرات، الفائزين بعظيم الأجور وأعالي الجنات، إنه سبحانه سميع مجيب الدعوات.
Trending Plus