"الأب" عمود البيت ووتده

في زحام الحياة، وفي ظل تسارع الأيام وتوالي الأيام، هناك شخص دائمًا ما يتوارى خلف الأضواء، رغم أنه هو النور الذي يضيء دروبنا، إنه الأب، الذي لطالما كان العمود الفقري لبيته، جسر الأمان الذي يمر عليه الجميع ليصلوا إلى أحلامهم، ومنارة الأمل التي تضيء في وجه العواصف، هو الذي حمل على عاتقه عبء العائلة دون أن يشتكي أو يصرخ، هو ووتد البيت الذي لا يتزعزع، وعندما يغيب، يترك فراغًا يستعصي على الزمن ملؤه.
الأب هو الشخص الذي كافح طوال سنوات عمره، وجهد ليكون الدرع الواقي لنا من قسوة الحياة، حينما كان الشارع قاسيًا، كان هو الحائط الذي يحمينا من برده، وحين كانت الحياة تجلب لنا الهموم، كان هو الساتر الذي يخفف عنا الألم، لقد نهشت الأيام في جسده، أرهقته أعباء الحياة، لكنه بقي صامدًا، لأنه كان يعرف جيدًا أن مسؤولياته لا تنتهي عند حدود توفير قوت اليوم، بل تمتد إلى رسم مستقبل مشرق لأولاده.
"لو كانوا أحياء"، كلمات نرددها بين الحين والأخر، كمن يندم على ما فات، لكن لو كان الأب ما زال بيننا، لكان أول من يطلب منا أن نتراحم، أول من يوجهنا إلى أن نكون جزءًا من سعادته، حتى في غيابه، فلو كان الأب حيًا، لو كانت يداه الممتدة تحمل لنا الجهد والتضحية، لكان طلبنا أن نرده الجميل في لحظاته الأخيرة وأن نؤثر فيه، حتى ولو كان لا يحتاج منا شيئًا، لأن الأب لا يطلب منك سوى شيء واحد: أن تبره، أن تعترف بتضحياته وأن تملأ حياته بالحب الذي طالما قدمه.
أما إذا كان قد رحل عنا، فلا يسعنا سوى أن ندعو له بالرحمة والمغفرة، أن نتراحم عليه كما كان يفعل هو معنا، أن نذكره في صلواتنا وأعمالنا، وأن نبره في دعواتنا وكلماتنا، قد تكون الجسور قد انهدمت بيننا وبينه، لكن أعماله لا تزال تضيء سماء حياتنا، وصوته لا يزال يرن في آذاننا، وأملنا فيه لا ينقض.
إن الأب هو الصخرة التي لا تتفتت، ولو كانت الحياة قد أخذت منه كل شيء، فإنه يبقى قويًا بما يكفي ليكون شاهدًا على صبره، ورمزًا لقوة الإرادة، ولذا، فإن بر الأب هو شيء يتجاوز مجرد الواجب، هو رسالة حب مستمرة، يجب أن نؤمن بها ونعيها في حياتنا اليومية.
قد يكون الأب قد مر بأوقات صعبة، مرّ بتضحيات لا تعد ولا تحصى، ولكنه لم يتراجع يومًا عن القيام بدوره في توفير حياة كريمة لأسرته، ولم يتوان عن إعلاء راية التضحية والعطاء. لذلك، دعونا نرد الجميل الآن، بينما هو فينا وبيننا، ولنكن مصدر فخر له كما كان هو مصدر فخر لنا.
ولا ننسى أن الأيام التي مضت أخذت من أجسادهم، وسنوات الحياة نهشت من صحتهم، لكنهم استمروا في العطاء بلا كلل، فلنكن في المقابل جديرين بكل لحظة من تلك التضحيات، ولنبرهم بالحب والاحترام الذي يستحقونه، فالأب، سواء كان حيًا أو ميتًا، يبقى هو السند، هو العمود الذي يستحق أن نقف له طويلاً، ونقدم له أسمى درجات الوفاء والتقدير.
Trending Plus