سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 مارس 1910.. الرئيس الأمريكى «تيودور روزفلت» يحاضر فى الجامعة المصرية مهاجما مطالب الوطنيين بالدستور والمظاهرات تندلع ضده بقيادة محمد فريد

انتهت ولاية الرئيس الأمريكى الكولونيل «تيودر روزفلت» فى عام 1909 بعد أن قضى فترتين فى رئاسته بدأت عام 1901، وفى بداية عام 1910 قام بجولة صيد فى أفريقيا استمرت شهرين، زار فى نهايتها السودان، وألقى فيه خطابا أشاد فيه بالاحتلال، ودعا إلى الخضوع لحكمه، ثم حضر إلى مصر ليثير موجة غضب هائلة ضده، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «محمد فريد رمز الإخلاص والوطنية ».
حضر «روزفلت» إلى مصر يوم 24 مارس 1910 وزار الخديو عباس حلمى الثانى فى سراى عابدين ثم أقيمت له مأدبة، ويذكر أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى الجزء الثالث من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، أن البرنس أحمد فؤاد رئيس الجامعة الأهلية «القاهرة فيما بعد » دعاه إلى مأدبة عشاء وإلقاء محاضرة بالجامعة، التى بدأت نشاطها فى عام 1908، فلبى «روزفلت» الدعوة، وألقى محاضرة أثارت احتجاجات قوية قادها الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد.
يشير «الرافعى» إلى أن محاضرة «روزفلت » تزامنت مع اشتداد حركة المطالبة بالدستور والاستقلال، وكان يقودها الحزب الوطنى، قال «روزفلت » فى محاضرته: «إنه لا يمكن تربية الفرد تربية حقيقية بتلقينه بعض العلوم، كما أنه لا يمكن إعداد شعب للحكم الذاتى بإعطائه دستورا على ورق، لأن تربية الأمة لتصير أهلا لحكم نفسها، ليست مسألة عشر سنين أو عشرين سنة، بل هى مسألة أجيال متتابعة. إن بعض الجهلاء يعتقدون أن منح دستورا على الورق، خاصة إذا كان مفتتحا بعبارات فخمة، من شأنه أن يمنح الأمة قوة الحكم الذاتى، مع أن شيئا من ذلك لا يكون».
يذكر «الرافعى» أن «روزفلت» ضرب على هذه النغمة معارضا بذلك حركة المطالبة بالدستور فى مصر، وجاءت خطبته تأييدا واضحا لسياسة الاستعمار، وطعنا مكشوفا فى استحقاق الأمة للحكم الدستورى، فأثارت سخط الرأى العام واستيائه، وأرسل محمد فريد إلى «روزفلت » برقية احتجاج بالنيابة عن اللجنة التنفيذية للحزب الوطنى، التى عقدت اجتماعا فى يوم 29 مارس 1910، وقال فيها: إن اللجنة كلفته بإظهار استيائها الشديد من العبارات التى وردت فى الخطاب، التى أردتم بها تثبيط همة الأمة المصرية عن الاستمرار فى جهادها السلمى للحصول على الدستور.
أرسل محمد فريد صورة من البرقية إلى الصحف الأوروبية الكبرى، ويذكر «الرافعى » أن اللجنة قررت أيضا الاحتجاج على إدارة الجامعة لسماحها بإلقاء هذه الخطبة فى دارها ومنحها «روزفلت » لقب دكتور بعد إلقائه، ولم يكتف الحزب الوطنى بذلك، بل أقام اجتماعا بمسرح «بيلوت باسك» فى شارع عماد الدين، ألقى فيه على فهمى كامل بك خطبة ردا عل خطبة «روزفلت »، وبعد انتهاء الاجتماع سار الحاضرون جميعا فى شكل مظاهرة هائلة يرفرف عليها العلم المصرى، يؤمها محمد فريد إلى فندق شبرد، حيث كان «روزفلت » مقيما فيه، ونادى المتظاهرون بحياة الاستقلال والدستور، وسقوط «روزفلت ».
انهالت الاحتجاجات، ويذكر أحمد شفيق باشا أن الشيخ على يوسف، صاحب ورئيس تحرير «المؤيد »، كتب خطابا مفتوحا إلى «روزفلت » حمل فيه على مسلكه وخطته وإخلاله بواجب الضيافة، ونشرت ترجمة لهذا الخطاب فى بعض الصحف الأمركية، فكان له وقع كبير فى أمريكا، وكتبت إحدى المجلات الأمريكية الشهيرة إلى الشيخ على يوسف تطلب إليه أن يكتب لها فصلا فى هذا الموضوع يتحدث فيه عن «روزفلت »، وما كان لزيارته من أثر فى نفس الشعب المصرى، فلبى الدعوة وبعث إلى المجلة المذكورة بمقال كان من خير ما كتب.
لم تقتصر حركة الاحتجاجات والمظاهرات على القاهرة، بل امتدت إلى الإسكندرية، ويذكر «الرافعى » أنه عندما وصل «روزفلت » إلى الميناء ليستقل الباخرة، فوجئ بمظاهرة حاشدة تستقبله فى الميناء تهتف بسقوطه وحياة مصر، وانتقل الغضب إلى ميدان الشعر، حيث كتب الشاعر حافظ إبراهيم قصيدة قال فيها: «أى خطيب الدنيا الجديدة شنف/ سمع مصر بقولك المأثور/ إنما شوقها لقولك يا «روز/ فلت» شوق الأسير للتحرير».
غادر «روزفلت» مصر يحمل فى نفسه ما جرى له من احتجاجات، وفقا لتأكيد أحمد شفيق باشا، قائلا: ما كاد يصل فى طريقه إلى مدينة لندره «لندن » حتى ألقى عن مصر خطابا فى منتهى الشدة جاءتنا البرقيات بتفاصيله، وفيه يدعو «روزفلت» الإنجليز إلى تثبيت أقدامهم فى مصر، لأنهم ليسوا حرس مصالحهم فيها فقط، بل هم فوق ذلك حراس مرافق المدنية، وطعن فى أخلاق المصريين ورماهم بالتوحش والذل، وقال: «إن الإنجليز أصلحوا مصر ولكنهم أخطأوا أخيرا إذ مكنوا المصريين من التمتع بشىء من الحرية، فأظهر مقتل بطرس باشا غالى أن هذه غلطة فاحشة يجب أن يتداركها الإنجليز قبل فوات الآوان».
Trending Plus