هل تغتال صحافة السيو الفكر لإرضاء الجماهير؟

نشأنا ونحن نؤمن بأن الصحافة تمثل سلطة رابعة حقيقية، أو بمصطلح آخر سلطة معلوماتية ومعرفية تقود الأفراد وتوجه المجتمعات وتطرح القضايا المصيرية بجرأة وموضوعية، وتقدم الحلول العملية المدروسة، كما أن الصحافة لا تقتصر مهمتها على تشكيل الرأي العام، بل تتعداه إلى صياغة الوجدان الجمعي وبناء العقل الجمعي، وهى دون مبالغة تدون التاريخ يوميا.
الصحافة الجادة تساهم في الارتقاء بفكر المواطن، ورفع المستوى المعرفي للمجتمع بكل مكوناته، من صناع القرار في الأنظمة السياسية مرورا بالحكومات ووصولا إلي السادة حضرات المواطنين.. هكذا وجدنا الصحافة في عهد آباءنا وما قبلهم من عهود وأزمنة.
الصحافة هي ضمير الأمة ومرآتها الناقدة، تخوض دائما معارك من أجل مجابهة الظلام وتنوير العقول، والصحافة هي السلطة الوحيدة التي لا تحتاج إلى دستور لتحديد صلاحياتها، كما قال عنها الرئيس الفرنسي شارل ديجول، وهي أيضا حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي، كما وصف الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت الصحافة الحرة.. وجميع من يعمل في هذه المهنة يدرك أنها حقا مهنة البحث عن المتاعب ويدرك قيمة الكلمة ويعرف تأثيرها الكبير على الناس.
كل ما سبق يختلف تماما مع ما يسمي بصحافة الـ"سيو" وصحافة السيو لمن لا يعرف، هي الكتابة المتوافقة مع محركات البحث، أو بمعني آخر هي الصحافة التي تقدم ما يريده الجمهور على حساب المهنة، وفي أوقات كثيرة تكون علي الجودة الفكرية.. وبالتالي نحن أمام نوعين من الصحافة، الأولي تقود الرأي العام ويكتبها الصحفيون والكتاب والمفكرين والفلاسفة، والثانية تلبي طلبات الجماهير في جميع القضايا من أجل إشباع شهوة المشاهدات.
صحافة السيو، تبدد أركان المهنة، لأنها لا توجه المجتمع بل تستجيب طوعية للمجتمع في كل القضايا صحيحة كانت أم خاطئة، وبالتالي تم إفراغ مضمون مهنة الصحافة من فكرتها الأساسية، وبدلا من أن ترتقي الصحافة بالجماهير حدث العكس، وتتدني بينا جميعا محرك البحث، بالصحافة والمجتمع لأسفل السافلين.
نحن أمام واقع فُرض علينا، وأعلم جيدًا أن مساحات الحرية تمنح كل من يعمل بمهنة الصحافة قيادة الرأي العام إلى الأمام، فالصحافة مهنة تقوم على الحرية، لكن مع استمرار "صحافة السيو" والوضع الراهن بوصفه الشامل، علينا جميعًا أن لا ننسى أننا أصحاب رسالة، وأن نلتزم بمبادئ المهنة والدقة والموضوعية والتوازن بدلًا من السعي وراء الزيارات والمشاهدات التي تأتي بالتضليل والتلاعب، لا بالجودة والمضمون القوي.. نحن حقًا في مفترق طرق، لذا كان سؤالي: هل تغتال صحافة السيو الفكر لإرضاء الجماهير؟ والأيام حبلى بإجابات كثيرة، ويجب أن يكون أبناء المهنة أو أصحاب الرسالة جزءًا من الإجابة، وأتمنى أن نكون الإجابة كاملة.
Trending Plus